الحرب العالمية الأولى حرب غيرت وجه العالم للأبد

الحرب العالمية الأولى، اسموها بالحرب الأوروبية، وقالوا عنها الحرب العظمى. شارك فيها 70 مليون جندي، وخلفت أكثر من 40 مليون قتيل. عملية الاغتيال استمرت لدقيقة واحدة، نتج عنها حرب استمرت لأربعة أعوام، لتغير وجه العالم للأبد.

الحرب العالمية الأولى

أسباب وبداية الحرب العالمية الأولى


مع بدايات القرن العشرين، كانت منطقة البلقان في أوروبا تعيش حالة من التوتر وعدم الاستقرار. فقد خرجت من سيطرة العثمانيين لتدخل تحت نفوذ الامبراطورية النمساوية المجرية، وهو الأمر الذي لم يعجب الأغلبية السلافية. ليقرروا مقاومة الإمبراطورية في أراضيها.

في الثامن والعشرين من يونيو عام 1914، جاءت الفرصة لهم. فقد خرج ولي عهد الحكم الأرشيدوق "فرانز فرديناند" في جولة أمام الشعب في مدينة سراييفو، إحدى أكبر مدن البوسنة. لتقرر منظمة اليد السوداء اغتيال الأرشيدوق، وبالفعل وضعت سبعة أشخاص على طول الطريق الذي يمر فيه.

وخلال مرور سيارته، القى أحدهم قنبلةً يدويةً عليها، لكنها انفجرت خارج السيارة ولم تصيبه بأي أذى. لكن ذلك اليوم كان يحمل شرارة الحرب دون منازع، فعقب انفجار القنبلة، اتجه الأرشيدوق لزيارة المصابين، وهناك شاهده اليوغوزلافي "جافريلو برينسيب"، وهو أحد الأشخاص الموكلين باغتياله، لينفذ المهمة على الفور ويقتل الأرشيدوق فرديناند، وعندها قرعت طبول الحرب العظمى.

بداية الحرب العالمية الأولى واندلاع الاشتباكات العسكرية


عقب اغتيال الأرشيدوق، أرسلت الإمبراطورية النمساوية المجرية برقية لصربيا اتهمتها باغتيال الأرشيدوق، ووجهت فيها إنذاراً أخيرًا لها مع بعض الشروط التي يجب أن توافق عليها، وإلا ستواجه الحرب.

رفضت صربيا كل تلك الشروط، واتصلت مع حليفتها روسيا، تبلغها باقتراب الحرب، والتي بدورها أصدرت أوامرها بالتحضير للحرب. وفي 28 من يوليو عام 1914، قصفت النمسا العاصمة الصربية بلغراد، واتفقت النمسا في ذلك الوقت مع ألمانيا ليكونوا في خندق واحد في الحرب. وخلال أيام قليلة، كان الجنود كلهم على استعدادٍ للقتال.

فأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا، ثم اتجهت لإعلان الحرب على فرنسا، لتنطلق الحرب بين دول المحور، متمثلةً بالإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية الألمانية، ضد دول الحلفاء، متمثلةً بروسيا وفرنسا وصربيا، ومعهم بريطانيا التي سارعت للانضمام لدعم فرنسا.

امتداد الحرب العالمية الأولى وتصاعد الصراعات الدولية


منذ انطلاق الحرب، كانت الدولة العثمانية تنظر للتحضيرات الروسية، وهما الدولتان التي يجمع بينهما عداء كبير، وفجأة أعلنت روسيا الحرب عليها بعدما كشفت عن اتصالات للدولة العثمانية مع ألمانيا. وقبل ذلك بأيام، كانت اليابان قد دخلت الحرب في صفوف الحلفاء، ومعها مملكة الجبل الأسود.

اتسعت رقعة الحرب من أوروبا إلى أنحاء العالم بالكامل، حيث وصلت لمستعمرات تلك الدول في مختلف القارات، لكن ألمانيا كانت تعمل على الانتصار باسرع وقت، لتطلق خطة شليفن التي وضعها رئيس أركان الجيش "ألفريد فون شليفن". الخطة كانت تعتمد على الدخول لفرنسا عبر بلجيكا والسيطرة عليها في غضون أربعة أسابيع.

في تلك الأثناء، تكون روسيا لم تكمل عملية تعبئة قواتها، ما يسهل الهجوم عليها بعد هزيمة فرنسا. ومع حلول صباح الثالث من أغسطس، اتجهت القوات الألمانية لبلجيكا وأعلنت الحرب على فرنسا، لكن بلجيكا رفضت أن تكون ممرًا لعبور القوات الألمانية وقاومت مقاومة عنيفة، منعت من خلالها الألمان من التقدم.

لتهاجم القوات الفرنسية الحدود الألمانية وتهزمها في معركة مارن، ما أدى لفشل خطة شليفن فشلاً ذريعًا. وبدلاً من السيطرة على فرنسا، قامت ألمانيا بحفر خنادق على طول الحدود، وقامت فرنسا بالمثل على حدودها، لتتحول الجبهة الغربية إلى معركة استنزاف، لم يتقدم فيها أحد، وحصدت آلاف الأرواح من الجنود.

تأثير الحرب العالمية الأولى على الإمبراطورية الروسية وسقوط النظام القيصري


على النقيض من الجبهة الغربية، كانت الجبهة الشرقية مشتعلة دائمًا. وبسبب الامتداد الواسع لها، لم يتمكن أي من الطرفين من الدخول في حرب الخنادق فيها، واشتعلت المعارك أكثر عقب انضمام إيطاليا لدول الحلفاء، بعدما أعطت وعودًا لدول المحور بالعمل معهم.

في ذات الوقت، كانت الدولة العثمانية قد فتحت جبهات عنيفة في القوقاز والشرق الأوسط، ما حول الكوكب بالكامل إلى شرارة لهب، حيث انطلقت العديد من الثورات المطالبة بخروج الاستعمار، وقامت الثورة العربية التي طالبت بخروج العثمانيين وقيام دولة عربية موحدة.

وفي خضم كل هذا، كانت الولايات المتحدة لا تزال تلعب دور الحياد، ورفضت دعم أي من الطرفين، حتى وصلت المعارك لأطرافها، وعندها كانت لحظة الحسم.

دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى وتأثيرها على مسار الصراع الدولي


في أبريل من عام 1917، قامت غواصات ألمانية بإغراق سفينة تجارية أمريكية.

وفي ذلك الوقت، كشفت عن مباحثات بين ألمانيا والمكسيك على إعلان الحرب على أمريكا، لتعلن الولايات المتحدة رسميا دخولها الحرب بجانب الحلفاء. جاء ذلك بعد مرور ما يقارب الثلاثة أعوام من انطلاق الحرب، ما يعني إنهاك قوة الطرفين، بالإضافة إلى السخط الشعبي من الخسائر المستمرة، ليمثل دخول القوات الأمريكية تغييرًا جذريًا.

فقد ساعدت الولايات المتحدة، من خلال جنودها وأسلحتها الجديدة، بحصار الموانئ الألمانية، وفي ذات الوقت كانت روسيا تشهد ثورات، وليس ثورة واحدة، حيث جاءت الثورة الأولى لتطيح بالإمبراطور، ولحقتها ثورة ثانية أوصلت البلاشفة للسلطة، والتي كانت نتيجتها حربًا أهلية طاحنة في روسيا.

ومن ثم، قرر البلاشفة إقامة السلام مع ألمانيا، لكن تلك الخطة فشلت، وهاجم الألمان روسيا من جديد، إلا أن البلاشفة نجحوا بالتفاوض مع الألمان، ليتم إبرام اتفاق سلام في مارس من عام 1918، لتنجح ألمانيا بذلك من إخراج روسيا من الحرب، وتتجه من جديد للجبهة الغربية.

تدهور الوضع الحربي لألمانيا ونهاية الحرب العالمية الأولى


نجحت ألمانيا بقلب الهجوم لصالحها، لتتقدم على الجبهة الغربية سريعًا، ووصلت لأبواب باريس تقريبًا، لكن وجود القوات الأمريكية مع جيوش الحلفاء نجح بصد التقدم الألماني عند نهر مارن، ومن ثم بدأت عملية التقدم نحو الحدود الألمانية، فيما عرف حينها باسم "مائة يوم من الهجوم".

والذي كان هجومًا كاسحًا، أرعب دول المحور، وأظهر قوة التدخل الأمريكي، لتستسلم بلغاريا في سبتمبر، ولحقتها الدولة العثمانية في أكتوبر. أما النمساويون، فقد وقعوا هدنةً مع إيطاليا، لتبقى ألمانيا وحيدةً تقاتل، تقريبًا بعدما انهك الجميع من تلك الحرب.

وفي ذات الوقت، شهدت ألمانيا اضطرابات واسعة، منها تمرد واسع النطاق في المدن الساحلية، ونتيجة لكل تلك الاضطرابات، تخلى الجيش الألماني عن الإمبراطور، ليجبر الأخير على التنازل عن العرش، ومن ثم تم تأسيس حكومة انتقالية، سارعت على الفور للدخول بمفاوضات مع دول الحلفاء، ليتفق الطرفان على الدخول بهدنة.

وفي الحادي عشر من نوفمبر من عام 1918، في تمام الساعة الحادية عشر صباحًا، توقف القتال على الجبهة الغربية، معلنة نهاية الحرب العظمى.

تأثير الحرب العالمية الأولى على النظام العالمي والتحولات السياسية والاجتماعية التي نتجت عنها


خسرت ألمانيا في تلك الحرب حوالي مليوني جندي، فيما قدرت خسائر فرنسا بأكثر من مليون، أما الدولة العثمانية فقد وصل عدد جنودها القتلى إلى 700 ألف، وبريطانيا تخطتها 100 ألف، وأخيرًا الولايات المتحدة التي شاركت متأخرة، قد خسرت 100 ألف جندي. أما عن الخسائر من المدنيين، فقد بقيت بأرقام تقديرية.

تقول الإحصائيات إن إجمالي الخسائر البشرية، بين مدنيين وعسكريين، وصل إلى 40 مليون، والضعف من هذا الرقم من المصابين. أدت الحرب إلى تغيير الخارطة السياسية والجغرافية للعالم أجمع، حيث تفككت الدولة العثمانية وانهارت معها الإمبراطورية النمساوية المجرية، وتحولت ألمانيا إلى جمهورية، وفي روسيا انتهى حكم القيصر بعد سنوات طويلة.

كما ظهرت عددٌ من الدول الجديدة، مثل المجر، تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا. كما لم تتخلص الكثير من الدول من الاستعمار، حيث خضعت الكثير من الدول الآسيوية والإفريقية للاستعمار البريطاني والفرنسي، واقتسم عددٌ من الأراضي الألمانية لعدة دول. وحتى عصبة الأمم التي شكلت لمنع حدوث حرب ثانية، فشلت في تحقيق ذلك.

كما غيرت مفهوم الحرب التقليدية، واستخدم خلالها الأسلحة الكيميائية لأول مرة في التاريخ، واستخدمت الطائرات لقصف المدنيين أيضًا.

وفي العالم العربي، كانت تلك الحرب مأساة حقيقية، حيث قسمت الدولة العثمانية، ولم توفِّ بريطانيا بوعودها للعرب.

بإقامة دولة عربية مستقلة، تحت قيادة الشريف حسين، الذي ساندها في الحرب من خلال الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، واتجهت بريطانيا وفرنسا لتطبيق اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت الدول العربية. ومن ثم تم تقديم وعد بلفور، الذي ضمن إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

انتهت الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من 100 عام، لكن نتائجها وتأثيراتها حاضرة حتى اليوم، وكانت الحرب العظمى التي غيرت مسار التاريخ للأبد.
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url