خالد بن الوليد: حياته، إنجازاته، وفتوحاته الإسلامية
خالد بن الوليد، الصحابي الجليل والقائد العسكري العظيم، واحد من أهم القادة المسلمين في التاريخ، الملقب بـ "سيف الله المسلول"، الفارس الشجاع الذي لم يذق طعم الهزيمة، ولم يتوقف عن الجهاد في سبيل الله.
نال ثقة الرسول ﷺ في تولي قيادة الجيش، وبعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أسدٌ من أسود أوائل المسلمين الذين أرعبوا قياصرة الرومان، وقادة الفرس، وساهموا في توسيع رقعة الإسلام في العالم.
خالد بن الوليد الصحابي الجليل والقائد العسكري العظيم في تاريخ الإسلام
من هو خالد بن الوليد
هو خالد بن الوليد بن المغيرة، وكنيته أبو سليمان. وُلد خالد ابناً بين 6 ذكور، هم العاص وأبو قيس وعبد شمس وعمار وهشام والوليد، وأختين، هما فاطمة وفاضنة.
ينتمي إلى أسرة ذات منزلة كبيرة في قبيلة بني مخزوم، أحد أكبر قبائل قريش شأنًا وأكثرها ثراء.
والده هو عبد شمس الوليد بن المغيرة المخزومي، من أمراء قريش. أما أمه فهي لبابة بنت الحارث، أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين.
ويشارك في النسب مع الرسول ﷺ في الجد السابع، حيث ينتسب إلى مرة بن كعب بن لؤي.
وفي ظل تلك الظروف المترفة، نشأ خالد بن الوليد، إلا أنه كباقي أبناء الأشراف، تعلم الفروسية والقتال، حيث ظهرت مواهبه في الميدان في وقت مبكر، وبزغ تميزه في وقت مبكر.
فاشتهر بالشجاعة والإقدام وخفة الحركة في عمليات الكر والفر، مما جعله يعتبر فارس عصره بلا منازع.
هل خالد ابن الوليد مسلم ام كافر؟
الملفت أن خالد بن الوليد، سيف الله المسلول كما أسماه، أشرف الخلق، كان من أشد أعداء الإسلام حينما بعث سيدنا محمد بالرسالة، وكان من أحرص الناس على محاربة المسلمين والإسلام.
فكان دائماً موجوداً في مقدمة المحاربين في كل المعارك التي خاضها في صف المشركين والكفار، بل كان صاحب دور بارز في انتصار المشركين في غزوة أحد، حيث كان صاحب فكرة الالتفاف حول المسلمين عندما لاحظ انشغالهم بجمع الغنائم وعصيانهم لأوامر الرسول ﷺ.
وكان كذلك أحد حماة المشركين، حين انسحابهم من غزوة الخندق، للتأكد من سلامتهم وعدم مباغتة المسلمين لهم.
حتى أنه خرج من مكة خلسة، لعدم قدرته على احتمال رؤية المسلمين يدخلون مكة في عمرة القضاء، في فترة الصلح مع المشركين.
ومع هذا، فإن إسلامه كان حدثًا فارقًا في مسيرة الرسالة المحمدية، وإعلاء راية الإسلام في جزيرة العرب، في السنة الثامنة من الهجرة، وتحديداً في عمرة القضاء.
عن رسول الله ﷺ، سأل الوليد بن الوليد، أخو خالد، قائلًا:
أين خالد؟
فقال:
يأتي به الله.
قال الرسول:
ما مثله جهل الإسلام، ولو كان يجعل حكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرًا.
فبعث الوليد لأخيه برسالة الرسول، فما كان له إلا أن أتى على فرسه إلى المدينة، وأشهر إسلامه، ففرح الرسول بذلك، ومدحه، ومدح كمال عقله.
دور خالد بن الوليد في معركة مؤتة وفتح مكة
كان ذلك قبل فتح مكة بـ 6 أشهر فقط، وقبل غزوة مؤتة بشهرين وحسب، والتي كانت أول معركة يخوضها خالد بن الوليد في صفوف المسلمين.
في غزوة مؤتة، كان خالد أحد مقاتلي المسلمين تحت قيادة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، في مواجهة جيش هرقل ملك الروم للقصاص من قتله الحارث بن عمير.
مع بداية المعركة، واجه المسلمون موقفًا صعبًا بعد مقتل 3 قادة، وأصبح جيش المسلمين بلا قائد، وكاد أن ينفرط عقده.
فاجتمع كبار الجيش ونصبوا خالد قائدًا عليهم، فأبلى بلاء حسنًا، واستطاع إعادة تنظيم صفوف المسلمين، وحافظ عليهم من الهلاك، وعاد بهم إلى المدينة سالمين، برغم تعدادهم الذي لم يتجاوز 3 آلاف جندي، في مواجهة جحافل الروم.
في فتح مكة، خرج الرسول ﷺ رأس 10 آلاف من المسلمين لفتح مكة، كان خالد قائدًا لإحدى جيوش المسلمين الأربعة في العاشر من شهر رمضان للعام الثامن للهجرة.
وهو أول من دخل من القادة المسلمين لمكة بأمر من النبي ﷺ، من الليث أسفل مكة، ثم اشتبك مع بعض من المشركين الذين منعوه من الدخول، فقتل 13 منهم، واستشهد 3 من المسلمين، ليدخل المسلمون بعد ذلك دون قتال.
الصحابي خالد بن الوليد قائد المسلمين الذي برهن بشجاعته وتفانيه في سبيل الإسلام
وبعد الفتح، أرسل النبي خالد وسط 30 فارس لهدم صنم العزى، أكبر أصنام قريش.
وحينما أرسله النبي إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام، أخطأ خالد بن الوليد بقتله لعدد كبير منهم، برغم إعلانهم الدخول في الإسلام، كان ذلك ظنًا منه بأنهم يباغتون وينافقون فقط لينجوا بأنفسهم.
ومع هذا، فإن الرسول عليه أفضل الصلاة، أنكر فعلة خالد وغضب عليه، حتى أنه قال:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ
وقام بدفع دية قتلاهم.
الكثير من المؤرخين اجتمعوا على أن فعلة خالد لم تكن سوى من باب غيرته على الإسلام، وخوفه على الدعوة من المنافقين مدعي الإيمان، والدليل هو استمرار الرسول عليه الصلاة والسلام في الثقة في خالد، وتوليته عددًا كبيرًا من السرايا، وجعله قائدًا على جيوش المسلمين.
وفي غزوة حنين، خرج خالد على رأس حوالي 100 فارس لقتال قبيلة هوازن، وكعادته أبلى بلاء حسنًا، وظل يقاتل بشجاعة، إلا أن النبي أمره بالعودة حين علم بإصابته بجروح بالغة.
ومع هذا، لم يتوقف سيف الله، وخرج بجروحه إلى الطائف في حرب ثقيف وأوزان.
وفي شهر رجب للعام التاسع من الهجرة، أرسل النبي ﷺ خالد على رأس 420 فارس لقتال أكيد بن عبد الملك. فنجح خالد بهزيمته، واستطاع أسره، إلى أن تم الصلح بينه وبين النبي، واكتتبوا على دفع الجزية للمسلمين.
انجازات خالد بن الوليد
في العام التالي، بعثه النبي إلى نجران لتخيير بني الحارث بن كعب بين الإسلام أو القتال، فأسلموا وأقام فيهم خالد 6 أشهر، يعلمهم أحكام الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
كل تلك المعارك وذلك التفاني في الدفاع عن دين الله ورسوله وكتابه، لم يكن كافيًا لخالد كي يتوقف عن الجهاد.
وبعد وفاة الرسول ﷺ، تولى خالد بن الوليد قيادة الجيوش في حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بعد أن قام بعض المنافقين بانتهاك الدين وتجرأوا على الإسلام بعد وفاة النبي.
إلا أن أبو بكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين، واجه تلك الفتنة بحزم وشجاعة.
وكان خالد، كعادته، أسد الله بيد الخليفة. فبعثه أبو بكر لمواجهة طليحة بن خويلد الأسدي، مدعي النبوة.
وما كان من خالد إلا أن هزمه هزيمة نكراء، هرب على إثرها إلى الشام، حتى أسلم في وقت لاحق. وكان له دور كبير في فتوحات المسلمين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بعدها، خرج خالد لمقاتلة مسيلمة الكذاب بعد ادعائه النبوة كذلك، الذي كان من أشد مدعي النبوة خطرًا بعد وفاة الرسول ﷺ. وبعد معركة شرسة، تم قتل مسيلمة وهزيمة قومه بني حنيفة.
ولكن بعد سقوط أكثر من 360 شهيدًا من المسلمين، كان أكثرهم من حفظة الكتاب، الأمر الذي جعل أبو بكر ينتابه القلق من ضياع القرآن بعد موته.
فجاء بفكرة جمعه مع مطلع العام الثاني عشر من الهجرة، وبعد القضاء على فتنة المرتدين التي كادت تشق صفوف المسلمين وتمزق وحدتهم، وربما تقضي على الدعوة.
فتوحات خالد بن الوليد
خطط أبو بكر لمواجهة الفرس في البصرة بالعراق، والذين كانوا على حدود الدولة الإسلامية وكانوا دائمي التربص بها.
كان خالد آنذاك ضمن قادة جيوش المسلمين، وبالفعل حقق عددًا من الانتصارات في الولجة المذار، أليس والأبلة. ثم فتح مدينة الحيرة، وزادت فتوحاته لتشمل جانبًا كبيرًا من العراق.
أما مدينة الأنبار، وقف خالد يفكر في طريقة لتجاوز حصن المدينة، الذي كان يلتف حولها خندق عظيم يصعب اجتيازه.
فخرج على جنوده بفكرة ملهمة، حيث أمرهم باستهداف المتحصنين في الخندق بالسهام، ثم نحر عددًا من الأبل الضعيفة والهزيلة وألقاها على أضيق جانب للخندق. فصنع جسرًا عبر من فوقه هو وفرسانه، وباتت الأنبار في قبضته.
ثم امتدت فتوحاته إلى عين التمر، الخنافس، الحصيد، الفراض، وأرض السواد، وما بين نهري الدجلة والفرات.
وعندما قرر أبو بكر فتح الشام، كان خالد اختياره الأول لقيادة الجيش، وكعادة خالد لم يخيب ظن أبي بكر به. فوصل إلى الشام، وباغت الروم قبل أن يباغتوه، بعد أن قسم الجيش إلى فرق ولى لكل فريق قائد.
فكان عمر بن العاص قائد الميمنة، ويزيد بن أبي سفيان قائد الميسرة، وأبا عبيدة في قلب الجيش. والتقى الرومان في معركة وادي اليرموك، تلك المعركة التي استشهد فيها نحو 3000 من المسلمين، إلى أن خالد تفوق على الروم وبات قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر.
ولكن في أواخر المعركة، جائته رسالة بأن أبو بكر قد توفى وتولى الخلافة عمر بن الخطاب، وأنه أمره بأن يسلم قيادة الجيش إلى أبي عبيدة بدلاً منه.
فما كان لخالد بن الوليد إلا أن أخفى الأمر عن جنوده، إلى أن انتهت المعركة وانتصر المسلمون.
فسلم لأبي عبيدة الرسالة، وسلمه قيادة الجيش، وعاد لصفوف المقاتلين ليكمل جهاده في سبيل الله، فارسًا كباقي فرسان المسلمين، تحت قيادة من تولى من بعده، وكان له الدور الأهم في فتح حمص وقنسرين ودمشق.
موت خالد بن الوليد
في شهر رمضان لسنة 21 هجريًا، تحديدًا في 18 من رمضان، حل أجل القائد المسلم العظيم، الذي انهمر بالبكاء حين حضره الموت.
لم يكن بكاءه رهبة من الموت أو خوفًا منه، فهو الذي كان يهابه أعداؤه أينما حل، وكان يحمل روحه بين كتفيه في معركة تلو الأخرى.
بل جاء بكاءه حزنًا على أنه لم ينل الشهادة، وأن أجله حل وهو في فراشه، وليس في ميدان القتال. واخر ما قاله خالد بن الوليد قبل موته:
لقد شهدت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي موضع شبرٍ إلا وفيه ضربةٌ بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.
احسنت ، استمر في نشر كل مايهم تاريخ المسلمين ، لكي تعلم الاجيال القادمة ان الاسلام دين الحق وان اجدادهم كانو خير سلف لخير خلف👍🏼
اعجبتني طريقة كتابتك وسردك للاحداث تابع