عز الدين القسام وكتائب القسام، أبطال طوفان الأقصى

في نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، مع بداية تغيّر نظرة الدول الاستعمارية للطرق والوسائل التي تستطيع من خلالها استعمار الدول العربية اقتصادياً دون الحاجة للتكلفة الباهظة للاستعمار المباشر عسكرياً، بدأت القوى الاستعمارية التنفيذ لمخطط رسمته قبلها بعقود طويلة في زرع كيان غريب في قلب المنطقة العربية. يكون هذا الكيان بمثابة الوكيل الحصري للمصالح الاستعمارية في المنطقة والشرق الأوسط.

تمثل هذا الكيان بإعلان دولة إسرائيل في فلسطين العربية عام 1948. تمخض عن هذه النوايا الاستعمارية ظهور ثورات وانتفاضات للشعب الفلسطيني. بدأها القائد الشهيد عز الدين القسام.

عز الدين القسام

من هو عز الدين القسام ؟


عز الدين القسام، ذلك الرجل الذي أطلق اسمه على الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية بفلسطين، وهي حركة حماس. وهو سوري الجنسية، تأثر بالاستعمار الأوروبي الذي عانت منه البلاد الإسلامية في القرن العشرين. وأراد تغيير هذا الواقع المظلم، فدعا الشعوب الإسلامية إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والشقاق حتى تقوى شوكتهم.

وكان يرى أن الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الاحتلال. ومن ثم، قاد أول مظاهرة تأييدًا لليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وكوّن سرية من 250 متطوعاً وقام بحملة لجمع التبرعات لهم.

انتقل القسام بعد ذلك إلى قرية الحفة الجبلية ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون في عام 1919 و1920. لكن الثورة فشلت، وحكم عليه الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابيًا، ففر القسام إلى فلسطين.

وهناك، نشط القسام في الدعوة لمحاربة الاحتلال البريطاني، ودعا أيضًا إلى محاربة النفوذ الصهيوني الذي كان يتزايد بصورة كبيرة. وجمع التبرعات لشراء الأسلحة. وأنشأ القسام مجموعات قتالية تميزت بالتنظيم الدقيق. فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوة إلى القتال ووحدة الاتصالات السياسية ووحدة التجسس على الأعداء ووحدة التدريب العسكري.

وبدأ القسام مقاومته للاحتلال البريطاني من جنين، وأرهبت عملياته الأعداء واستنفرت بريطانيا كل قوتها لمواجهته. واندلعت معركة غير متكافئة بين قوات الاحتلال ورجال المقاومة. قدم فيها الفلسطينيون صورًا رائعة من الكفاح والنضال، وسقط الأبطال واحدًا تلو الآخر دفاعًا عن فلسطين.

وكان من بين هؤلاء الأبطال الشهداء عز الدين القسام، الذي صار علمًا من أعلام المقاومة في كل فلسطين. وتابع تلاميذه طريق المقاومة،وأشعلوا فتيل الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاحتلال البريطاني والنفوذ اليهودي عام 1936. واستمرت الثورة ثلاث سنوات، إلا أنها انتهت بالفشل.

وسلم البريطانيون فلسطين لليهود عام 1948. لكن رغم المجازر والإرهاب الذي ارتكبه اليهود في حق الفلسطينيين، لم تتوقف المقاومة الفلسطينية. وعاد اسم عز الدين القسام من جديد ليُرهب الأعداء، رغم وفاته قبل نصف قرن. فكيف كان ذلك؟

تأسيس كتائب عز الدين القسام


في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أسس الشيخ صلاح شحادة أول جهاز عسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وأطلق على هذا الجهاز اسم "المجاهدون الفلسطينيون". ثم صار يحمل اسم "كتائب عز الدين القسام". في أواسط عام 1991، أخذت كتائب القسام على عاتقها تحقيق هدف القائد عز الدين القسام، وهو تحرير كامل لفلسطين من النهر إلى البحر بمختلف أشكال المقاومة.

وبدأت الحركة أولى عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1989، حيث كانت أولى عملياتها استهداف عسكريين إسرائيليين وخطف وقتل جنديين. بعد هذه العملية، برز اسم حركة حماس على قائمة الجماعات التي يُصنِّفها الكيان الصهيوني إرهابية، وتكررت المواجهات بين الجانبين.

وبمرور الوقت، صارت كتائب القسام أقوى التنظيمات الفلسطينية المسلحة على الإطلاق، وأكثرها عددًا وتسليحًا نوعيًا. حيث تمتلك بجانب الأسلحة الرشاشة والقذائف المضادة للدبابات، مجموعة متنوعة جدًا من الصواريخ يصل مدى بعضها إلى 200 كيلومتر، يمكنها استهداف القدس وتل أبيب على حد سواء، وتهديد الشريط الساحلي الذي يضم أكبر كثافة سكانية في الكيان الصهيوني، والبنية التحتية الحيوية بأكملها.

والجزء الأكبر من ترسانة حركة حماس مصنعة محليًا إلى حد بعيد، حيث توجد قدرات تصنيع نشيطة ومتطورة نسبيًا داخل قطاع غزة. ورغم الفرق الشاسع في التسليح بين كتائب القسام والكيان الصهيوني، إلا أن المقاومة الفلسطينية نجحت في تنفيذ عمليات مذهلة ووصلت إلى العمق الإسرائيلي نفسه، وأجبرت الاحتلال الإسرائيلي على الاندحار. من أبرز تلك العمليات عمليات انتفاضة المسجد الأقصى.

عمليات كتائب عز الدين القسام في انتفاضة المسجد الأقصى


في عام 2000، اقتحم القائد الصهيوني أرئيل شارون المسجد الأقصى برفقة نحو ألفي جندي. وكانت هذه الحادثة كفيلة باندلاع شرارة انتفاضة الأقصى، حيث ارتكب شارون مئات المجازر بحق الفلسطينيين. وقد قتل في هذه الانتفاضة أكثر من أربعة ألاف فلسطيني، جلهم من النساء والأطفال.

وردًا على جرائم الاحتلال، نفذت المقاومة الفلسطينية سلسلة عمليات أوجعت الاحتلال. بلغت أعداد هذه العمليات أكثر من 200 عملية، بين تفجير وإطلاق نار واقتحام ودهس. وخلفت هذه العمليات أكثر من 650 قتيلا وما يزيد عن 3200 جريح. ومن بين أبرز هذه العمليات عملية تفجير موقع ترميد العسكري.

حيث حفرت كتائب القسام نفقاً بطول 150 متراً أسفل موقع ترميد العسكري جنوب مدينة رفح. وكانت عملية مذهلة بحق، فلم يلاحظ أحد عمليات الحفر التي كانت تتم ولا يعرف أحد كيف حافظ الفلسطينيون على الهدوء أو كيف تمكنوا من الوصول إلى أسفل الموقع العسكري المستهدف. و زرعوا عبوتين بوزن 250 كيلوغراماً تم تفجيرهما عن بعد.

مما أدى إلى مقتل خمسة جنود وأكثر من ثلاثين جريحًا في أول مرة تستخدم فيها كتائب القسام سلاح الأنفاق. لتكون تلك الخطوة تطورًا جديدًا وسلاحًا استراتيجيًا غير من شكل الصراع وضرب نظرية الأمن الإسرائيلي في مقتل.

بعدها بعامين فقط، أعادت كتائب القسام الكرة وفجرت موقع المراقبة العسكري حردون، المزود بآليات تصوير ومراقبة عالية الدقة وأسلحة رشاشة نوعية، من خلال نفق حفرته أسفله بطول 200 متر. مما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة أحد عشر آخرين، حسب اعتراف العدو. وفي يونيو عام 2004، تمكنت كتائب القسام من تفجير موقع محفوظة شمال مدينة خان يونس، بعد حفر نفق أسفله بطول 500 متر.

و زرع واحد وعشرين برميلاً متفجرًا بوزن ثلاثة أطنان من المواد المتفجرة أسفل الموقع، قبل أن يتم تفجيره. مما أدى إلى مقتل وإصابة سبعة وعشرين جنديًا من قوات الاحتلال. تتابعت العمليات التي يقوم بها رجال القسام، وشهدت تلك الفترة ظهور أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع.

أطلقته كتائب القسام على مستوطنة سديروت شمال قطاع غزة، على موعد مع تلقي في يوم 26 أكتوبر / تشرين الأول 2001. لتطور الكتائب بعد ذلك وعلى نحو متسارع من قدراتها في تصنيع الصواريخ، حتى باتت صواريخها اليوم سلاح ردع يحسب له الاحتلال ألف حساب.

أحالت تلك العمليات حياة المحتلين إلى جحيم، وهو ما دفع الاحتلال إلى تفكيك عدد من هذه المستوطنات في الضفة والفرار من قطاع غزة عام 2005. يجرون أذيال الخيبة والهزيمة.

معركة الفرقان


في عام 2008، استهدف الكيان الصهيوني قطاع غزة بعمليات إرهابية، أطلق عليها عملية "الرصاص المصبوب". كان الهدف منها إسقاط حكم حماس وتدمير القوة الصاروخية للحركة، واستعادة الجندي الصهيوني جلعاد شاليط الذي سبق وأن أسرته حركة حماس.

واستخدم الكيان الصهيوني عددًا من الأسلحة المحرمة دوليًا، في مقدمتها اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض. وأسفرت الحرب عن نحو 1500 شهيد ودمار هائل في البنية التحتية بغزة. فردت كتائب القسام بمعركة "الفرقان"، التي استمرت 23 يومًا.

قصفت خلالها كتائب القسام المواقع والمستوطنات الصهيونية بآلاف القذائف الصاروخية، واستهدفت القوات الغازية التي اجتاحت مناطق من قطاع غزة بعد أيام من القصف الهمجي بعشرات العمليات النوعية. وانسحب المعتدون في النهاية دون أن يحققوا أهدافهم.

معركة حجارة السجيل


في عام 2012، أطلق الكيان الصهيوني عملية جديدة ضد الفلسطينيين، أطلق عليها "عمود السحاب". كان الهدف منها تدمير المواقع التي تخزن فيها المقاومة صواريخها. وانطلقت العملية باغتيال الكيان الصهيوني لقائد كتائب عز الدين القسام، أحمد الجعبري، بقصف سيارته في مدينة غزة. ليقرر القسام الرد بشكل قوي على العدو، ويطلق معركة "حجارة السجيل"، حيث أطلق القسام أكثر من 1500 صاروخ.

بعضها تجاوز مداه 80 كيلومترًا، وبعضها وصل لأول مرة إلى تل أبيب والقدس المحتلة. كما استهدف بعضها طائرات وبوارج حربية إسرائيلية.

عملية طوفان الأقصى


في فجر السابع من أكتوبر عام 2023، وتزامنًا مع احتفال المصريين بالذكرى الخمسين لنصر أكتوبر عام 1973، أطلقت كتائب القسام عملية "طوفان الأقصى"، التي استهدفت العمق الإسرائيلي. حيث أطلقت حماس آلاف الصواريخ على المستوطنات الصهيونية. وتسلل المقاومون الفلسطينيون إلى مستوطنات غلاف غزة عبر السياج الحدودي وعبر وحدات "الضفادع البشرية" من البحر. إضافةً إلى مظليين من فوج الصقر التابع لكتائب القسام، لأول مرة في تاريخ المقاومة. ونجح الفلسطينيون في قتل ما لا يقل عن مائة إسرائيلي وأسر العشرات.

واستولوا على مركبات عسكرية صهيونية في أكبر هجوم على الكيان الصهيوني منذ عقود. وبحسب ما أعلن اليوم محمد الضيف، قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام، فإن هذا اليوم هو يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض.
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url