معاهدة فرساي: معاهدة السلام التي تسببت بأسوأ حرب في التاريخ
"اذهبوا، فأنتم الطلقاء"، عبارةٌ عظيمةٌ خلدها التاريخ عندما دخل النبي محمد ﷺ مكة المكرمة، فاتحًا منتصرًا. ووقف أهل مكة وقد امتلأت قلوبهم رعبًا، يفكرون فيما سيفعله معهم رسول الله بعد أن نصره الله عليهم، وهم الذين آذوه وأصحابه على مدار سنواتٍ طويلة. إذا بالنبي الكريم يعفو عنهم دون انتقام.
فرساي معاهدة السلام التي تسببت في أسوأ حرب عرفها التاريخ
درس عظيم كان من الممكن أن تستفيد منه البشرية، لولا أنعمت الرغبة في الانتقام البعض. فدفعوا ثمنًا غاليًا، كما حدث مع الحلفاء الذين أجبروا ألمانيا على توقيع معاهدة مذلة.
دون أن يعلموا أنها ستكون السبب في أسوأ حرب عرفها التاريخ. إنها معاهدة فرساي، التي كانت السبب في اندلاع الحرب العالمية الثانية.
الحرب العالمية الأولى تنتهي بعقد معاهدة فرساي
في عام 1914 ميلادية، اندلعت واحدة من أسوأ الحروب التي شهدتها البشرية، ألا وهي الحرب العالمية الأولى، وذلك اثر اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب خلال زيارتهما لسراييفو.
ومع توتر العلاقات الدولية في تلك الفترة، أعلنت الدول الأوروبية الواحدة تلو الأخرى الحرب على بعضها البعض.
ولم يكن ذلك غريبًا، فقد كان مبدأ تحكيم القوة بشكل مطلق في النزاع يسود ذلك العصر. ظهرت سياسة الأحلاف الأوروبيات الكبرى، وانقسم المتصارعون إلى الحلفاء والمحور.
ضمت مجموعة دول الحلفاء المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا وفرنسا والإمبراطورية الروسية.
وضمت مجموعة دول المحور كلًا من الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا.
واستمرت الحرب أربع سنوات كاملة، حتى وضعت أوزارها أخيرًا في 11 من شهر نوفمبر عام 1918 ميلادية. لتسفر عن مقتل ما يقارب 16 مليون إنسان، وتنتهي بانتصار الحلفاء.
وكانت النهاية الرسمية للحرب بتوقيع معاهدة عرفت باسم فيرساي، تيمناً بالمكان الجغرافي الذي تمت فيه توقيع المعاهدة، وهو قصر فرساي الفرنسي. وذلك في 28 من يونيو عام 1919 ميلادية.
تلك المعاهدة التي حملت ألمانيا المسؤولية عن الحرب، وكانت تستهدف تقويض قوة ألمانيا العسكرية ومنعها من إشعال حرب كسابقتها.
دون أن يعلم الحلفاء أن تلك المعاهدة ستطلق المارد الألماني من عقاله وتكون سبباً في صراع عالمي هو الأسوأ في تاريخ البشرية بعد 20 عامًا فقط.
ما بنود معاهدة السلام فرساي التي تسببت في اندلاع الحرب العالمية الثانية
لعلك تتساءل الآن ما بنود معاهدة السلام تلك التي تسببت في اندلاع الحرب العالمية الثانية؟ حسنًا، دعنا نخبرك أن تلك المعاهدة كانت عبارة عن إملاء شروط وليس مفاوضات.
وكان السر وراء ذلك هو فرنسا التي أرادت الانتقام من ألمانيا بعد أن احتلت تلك الأخيرة بعض أراضيها. وهكذا جاءت بنود تلك الاتفاقية مجحفة للغاية للألمان.
فقد وضعت المعاهدة أشد الضوابط والقيود المذلة على الآلة العسكرية الألمانية. نصت على التجريد العسكري للجيش الألماني، والإبقاء على 100 ألف جندي فقط، وإلغاء نظام التجنيد الإلزامي
بالإضافة إلى عدم السماح بإنشاء قوة جوية، وتقيّد ب 15 ألف جندي بحرية. والسماح بحفنة من السفن الحربية، لكن دون غواصات حربية نهائيًا.
كما لا يحق للجنود البقاء في الجيش أكثر من 12 عامًا، وفيما يتعلق بالضباط، فأقصى مدة يستطيعون قضاءها في الجيش هي 25 عامًا.
وكان الهدف من ذلك جعل الجيش الألماني خاليًا من الكفاءات العسكرية المدربة ذات الخبرة.
ولأن المعاهدة تضمنت الاعتراف الألماني بمسؤولية الحرب، فقد كان لزامًا على ألمانيا أن تتحمل مسؤولية تقديم التعويضات للأطراف المتضررة.
وحُددت تلك التعويضات بـ 269 مليار مارك ألماني، قبل أن يُخفض هذا المبلغ ليصبح 132 مليار مارك كدين على الاقتصاد الألماني.
ولك أن تتخيل أن ألمانيا قد أنهت سداد هذا الدين الضخم في عام 2010، أي بعد حوالي قرن كامل من الحرب العالمية الأولى.
أيضًا، فقد جردت معاهدة فرساي ألمانيا من بعض أراضيها ومستعمراتها، التي ما لبثت أن تقاسمها الحلفاء بصيغة انتداب.
فحصلت فرنسا على الكاميرون ونصف دولة التوجو، وحصلت بريطانيا على بوروندي ورواندا وتنغنيق، والنصف الآخر لدولة توغو وجنوب غربي أفريقيا.
وتم إعطاء جزر الهادي الألمانية، وهي جزر مارشال وكارولينا ومارينا، لليابانيين، وأعطيت غينيا الجديدة للأستراليين.
كما أجبرت ألمانيا على التنازل لبلجيكا عن مدينتي يو بين ومال ميدي، وأعادت شمال الازفيج الى الدنمارك. إلى جانب رد الألزاس واللورين لفرنسا.
رد ألمانيا على معاهدة فرساي هو الحرب العالمية الثانية
المثير للدهشة، أن ألمانيا المعنية بالأمر كانت غائبة أصلاً عن مؤتمر السلام ذاك، ولم يكن أمام الألمان سوى تقبل الضرر الذي جاءت به معاهدة فيرساي، كونهم لم يدعوا للتفاوض.
وتم رفض جميع مزاعمهم، وبلغوا بالشروط المفروضة عليهم نهاية شهر أبريل.
وبالطبع، فقد نتج عن تلك الاتفاقية درجة عالية من الغضب والرغبة في الانتقام لدى الشعب الألماني، خاصة وقد تسببت معاهدة فرساي في أزمة اقتصادية وسياسية في ألمانيا.
تلك الأزمة التي مهدت الطريق لبزوغ نجم الزعيم النازي أدولف هتلر وصعوده إلى السلطة عام 1933 ميلادية.
ومن ثم، سعى للانتقام من الحلفاء الذين أذلوا ناصية ألمانيا بعد هزيمتها، لتندلع بذلك الحرب العالمية الثانية.