الغموض المحيط بجيش الملك قمبيز الثاني المفقود
جيش قمبيز، كيف تبخر 50 ألف جندي فارسي في صحراء مصر؟ كيف يمكن أن يختفي جيش كامل دون سبب واضح؟ هل هي لعنة الفراعنة؟
جيش فارسي يخرج بقيادة الملك قمبيز الثاني ليضم مصر إلى أراضيه ويكتمل له حكم العالم القديم، دون أن يعلم أن هناك مفاجأة قاسية تنتظر جنوده في الصحراء لتقضي على طموحاتهم وعلى حياتهم.
جيش قمبيز المفقود
الملك كورش بحلم ضم مصر الى امبراطوريته وموته قبل تحقيق ذلك
هاهو ذا الملك كورش يسيطر على إمبراطورية بابل وإمبراطورية ليديا، ويضم أيضاً أملاك الفينيقيين إلى إمبراطوريته الفارسية الأخمينية.
لتصبح فارس قطب العالم القديم. ولم يتبقى سوى أن يضم مصر إلى إمبراطوريته، لكي يكتمل له حكم العالم القديم تمامًا.
هكذا كان كورش يحلم، لكن وافته المنية قبل أن يحقق هدفه. ليخلفه في الحكم ابنه قمبيز الثاني، الذي حكم ما بين عامي 530 إلى 522 قبل الميلاد.
سعى خلالها إلى تحقيق حلم أبيه الخاص بالاستيلاء على مصر. فبدأ التجهيز لغزو مصر طيلة أول 4 سنوات من حكمه.
قمبيز الثاني يتخذ من خداع أحمس له ذريعة لاحتلال مصر
ويذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن قمبيز الثاني أرسل إلى ملك مصر وقت إذن أحمس الثاني، يطلب منه تزويجه ابنته.
لكن أحمس كره تزويج ابنته لقمبيز، فأرسل له ابنة الملك المصري السابق أبريس. ولكن قمبيز اكتشف الخدعة، فاتخذها حجة لغزو مصر.
لكن بغض النظر عن تلك القصة، فإن من المؤكد أن قمبيز كانت لديه أطماع استعمارية واضحة في أرض مصر المليئة بالخيرات.
فمصر كانت بمثابة سلة الغذاء في العالم القديم، ومن يسيطر على مصر فقد سيطر تلقائياً على طرق التجارة المختلفة.
الأوضاع في مصر قبل احتلال جيش قمبيز لها
دعونا ننتقل إلى مصر لنتعرف على الأوضاع فيها. فقد كانت مصر تحت حكم الملك أحمس الثاني، الذي يعتبر ثاني أهم الملوك في الأسرة السادسة والعشرين، والذي حكم لمدة 44 عامًا من الإزدهار والقوات العسكرية.
ومع ذلك، ارتكب أحمس خطأً كبيرًا استغله الفرس في احتلال مصر.
فقد كان أحمس راغبًا بشدة في إعطاء الجالية اليونانية في مصر أكثر من حقهم.
فبدأت الفئة الفاسدة منهم بسرقة حقول الزبرجد التي يمتلكها المصريون في مدينة ساس وبوتو، الأمر الذي أثار غضب المصريين. فاضطربت الأوضاع في البلاد.
وما لبث أن توفي أحمس الثاني قبل أن تصل الحملة الفارسية إلى مصر. ليخلفه في الحكم ابنه بسماتيك الثالث عام 526 قبل الميلاد. فكيف سيواجه الحملة القادمة يا ترى؟
خطة قمبيز لإحتلال مصر
لجأ قمبيز إلى عدة خدع خبيثة من أجل الاستيلاء على مصر. فقد عقد اتفاقًا مع ملك جزيرة ساموس ليمده بأسطوله البحري الضخم.
كما تحالف قمبيز مع اليهود ووعدهم بأن يقوم بإعادة بناء الهيكل المزعوم في القدس، بعد أن حطمه ملوك بابل.
وهذا سيكون لهم إذا قاموا بمساعدته على غزو مصر. فأصبحت القدس معقلاً لحشود الجيش الفارسي، استعدادًا لغزو مصر.
كما كانت هناك ثغرة خطيرة استغلها قمبيز لتسهيل استيلائه على مصر. ففي ذلك الوقت، كان الجيش المصري يتألف من العديد من المرتزقة الأجانب، ومن بينهم كان هناك قائد بارز يدعى فانيس.
الذي رحل عن مصر بعد أن وقع بينه وبين أحمس الثاني بعض الخلافات.
وبمجرد أن أغراه قمبيز بالذهب، قام فانيس على الفور بإعطاء قمبيز معلومات عن خطط المصريين في الحروب وأسلوب مواجهاتهم لأعدائهم.
كما دل قمبيز على الطرق والمسالك التي ستمكن قمبيز من الوصول إلى حصون المصريين. وأبلغه بخطط ومواقع الجيش المصري على الطرق الصحراوية.
سار قمبيز مع جيشه على طول ساحل البحر المتوسط، يساعده أسطول فينيقي قوي.
وقد حاول الملك بسماتيك الثالث إيقاف الأسطول الفينيقي، آملاً في قدرة مصر على الصمود في وجه التهديد الفارسي من خلال التحالف مع اليونان، لكنهم فضلوا الانضمام للفرس. وظل بسماتيك وحيدًا بدون حلفاء.
كيف استخدم قمبيز القطط لهزيمة المصريين في معركة الفرما؟
كانت أول معركة دارت بين المصريين والفرس هي معركة الفرما عام 525 قبل الميلاد.
وقد كان لدى قمبيز إلمام بمدى حب المصري للقطط وتقديسهم لها، حتى إنهم كانوا يعاقبون من يقوم بقتل القطط بعقوبة شديدة.
فاستغل قمبيز ذلك الأمر لصالحه، فأمر الجنود بوضع القطط داخل دروعهم الحربية، ما أثار الرعب في نفوس الجنود المصريين.
حيث كانوا مضطربين لعدم قدرتهم على قتل القطط وعجزهم عن صد هجوم العدو.
وسبب خوفهم الرئيسي من قتل القطط، الذي قد ينتج عنه صد الفرس ودحرهم، هو أن أرواحهم لن تجد السلام بسبب إيذاء هذه الكائنات.
وبهذه الطريقة نجح الفرس في هزيمة المصريين في معركة الفرما.
بعد أن دخل قمبيز مدينة الفرما، قام بنبش قبر أحمس الثاني وأخرج جسده من القبر.
وشوه جثمانه بالكامل وحرقه، بسبب خدعة هذا الأخير بعدم إرسال ابنته له ليتزوجها.
سقوط ممفيس في يد قمبيز
كانت الوجهة التالية لقمبيز هي مدينة ممفيس، عاصمة مصر القديمة. فأرسل إلى أهل ممفيس سفينة عليها رسل يحملون رسالة إلى المصريين، كان مضمونها الاستسلام.
فغضب المصريون وصعدوا على متن السفينة وقتلوا كل من فيها، كما قتلوا الحامية الفارسية التي كانت تحميها.
ثم أعادوا السفينة إلى قمبيز معلنين أنهم سيواصلون القتال.
زحف قمبيز إلى ممفيس غاضباً لما حدث لرجاله على السفينة. حيث وقعت معركة أخرى لا تقل شراسة عن معركة الفرما.
ووجد قمبيز جنوده وهم يتقهقرون بسبب شجاعة المصريين. فلجأ إلى محاصرة حصون ممفيس.
بعد حصار دام عدة شهور، نفذت المؤن، فمات الكثير من عامة الشعب والجنود المصريين.
فاظطر بسماتيك إلى الاستسلام، ودخل قمبيز إلى حصون ممفيس وارتكب مجزرة بشعة بحق القادة العسكريين.
وأرسل الملك بسماتيك إلى المنفى وقتل ابنه وكل الأسرة السادسة والعشرين.
وبعد سقوط ممفيس، واصل قمبيز مسيرته على طول نهر النيل. وبحلول شهر أغسطس من نفس السنة، كان بر مصر بالكامل تحت سيطرة قمبيز الثاني.
هزيمة قمبيز في النوبة
بعد الهزيمة في ممفيس، انسحب ما تبقى من الجيش المصري إلى النوبة في الجنوب. حيث استقبلهم أماني لبتي، حاكم إقليم النوبة.
فأعاد تنظيم الجيش المنسحب وضمه إلى جيش الجنوب، وبدأ يستعد للمقاومة.
فلما بلغ قمبيز ذلك، زحف بجيشه إلى الجنوب لقتال المصريين هناك. لكن قتال المصريين في النوبة كان أشد عشرات المرات عن قتالهم في الدلتا.
ولم تدم المعركة طويلاً، فقد فر قمبيز إلى ممفيس بعد هزيمته المخزية.
بعد أن ذاع خبر هزيمة قمبيز، احتفل المصريون بهذا النصر. لكن قمبيز واجه احتفالات الشعب المصري بشراسة رهيبة، وارتكب مذبحة مروعة بحق المصريين.
كما قام بذبح العجل آبيس المقدس عند المصريين، الذي كان يعبد في الديانة المصرية القديمة.
كيف اختفى جيش قمبيز؟
فجأة بلغت قمبيز نبوءة غريبة أطلقها كهنة المعبود آمون. نبوءة تقول بأن جيش قمبيز سيتم إبادته بالكامل.
فغضب قمبيز وأرسل فرقة مكونة من 50 ألف جندي بهدف حرق معبد آمون.
واتجه جيش قمبيز نحو الغرب إلى سيوة، لكنه لم يصل إلى المعبد أبداً. لقد اختفى الجيش تماماً ولم يعثر له على أي أثر.
ماذا حدث لجيش قمبيز؟ هذا هو السؤال الذي شغل أذهان المؤرخين، دون أن يعثروا على جواب حاسم. فكل ما لدينا مجرد نظريات لم تثبت أي منها.
يُقال إن عاصفة رملية مميتة هبت على الجنود وهم يتناولون وجبة الغذاء، أفقدتهم القدرة على الهروب بل وغطتهم بالكامل وتسببت في موت جيش قمبيز برمته.
وهناك من يرى أن الجيش لم يختفي من الأساس بل تمت إبادته من قبل الأمير المصري بيتوباستيس الثالث والقائد آمون تف عنخ والقائد أماني لبتي.
ونخبة من حكام الأقاليم، بعد أن نصبوا لجيش قمبيز كمينًا محكمًا للقضاء عليه. وأن الحاكم التالي لقمبيز الثاني هو من قام بتحريف الأحداث لإنقاذ سمعة جيشه من الهزيمة.
بينما يتبنى بعض المؤرخين نظرية أخرى تقول بأن الجيش قد ضل طريقه بعد استخدامه خريطة خاطئة تم دسها عمداً من قبل بعض المتمردين، بهدف إقصاء الجنود عن مكان المعبد في سيوة.
ما تسبب في ضياع وهلاك الجيش في الصحراء، حيث لقي حتفه بعد فترة وجيزة.
بعد اختفاء جيش قمبيز، تلقى هذا الأخير أنباء عن ثورات في بلاد فارس. فجمع قمبيز ما تبقى من جيشه واستعد للعودة إلى بلاده بعد أن سيطر على مصر لمدة 4 سنوات.
لكنه لم يصل إلى فارس أبداً، فقد توفي في عام 522 قبل الميلاد، بينما كان في طريقه إلى وطنه.
وقد دارت الشائعات أيضاً حول وفاة قمبيز الغامضة.
فيُقال إن الأمير بيتوباستيس، عندما علم بعودة قمبيز إلى فارس، أرسل خلفه نخبة من الجنود المتخصصين في القتل لتتبع أثره.
فعندما كان يختار قمبيز مكانًا للتخييم، كان يستيقظ كل صباح ليجد مجموعة من رجاله مذبوحين، وربما يكون قد انتحر وهو في الطريق بسبب إصابته بـ "هستيريا الهلع والذعر"، مما كان يراه من أهوال.
ويزعم هيرودوت أن قمبيز توفي في بلدة سورية، بعد أن انزلق سيفه من غمده واخترق فخده في نفس المكان بالضبط حيث كان قد طعن عجل أبيس.
بينما هناك رواية تقول بأنه اغتيل على يد قادته.
جيش قمبيز يعاود الظهور بعد قرون من اختفائه
ها هو ذا جيش قمبيز يظهر بعد قرون طويلة من اختفائه، عندما عثر فريق مصري استكشافي على عظام بشرية وخناجر وأسهم ورؤوس حراب.
إلى جنب بعض الجماجم والهياكل المتراكمة في موقع قريب من واحة سيوة بالقرب من الحدود الليبية، ليتبين أنها ترجع إلى جيش قمبيز المفقود.
لكن بالرغم من هذا الاكتشاف، فلم يتم التوصل إلى السبب الرئيسي وراء اختفاء جيش قمبيز. ليظل حل ذلك اللغز سراً لا يعلمه إلا الله.