غزوة الخندق: فشل مؤامرة الأحزاب ونجاح التكتيك العسكري الذكي
غزوة الخندق، أو كما تُعرف بغزوة الأحزاب، حقد دفين ذلك الذي انتاب يهود بني النضير بعد طردهم من ديارهم، فسعوا إلى الانتقام من المسلمين. فأخذوا يحرضون قريش والقبائل العربية المختلفة على غزو المدينة المنورة وقتال المسلمين، لتندلع غزوة جديدة. ويستغل يهود بني قريظة تلك الظروف لينقذوا عهدهم وينضموا إلى الأحزاب المتحالفة ضد المسلمين.
وكاد الأمر يتحول إلى كارثة، لولا تلك الخدعة العسكرية التي بددت تحالف العرب واليهود، ليتحقق النصر للمسلمين في غزوة الخندق.
غزوة الخندق (غزوة الأحزاب)
اليهود يحرضون قريش والقبائل العربية على قتال المسلمين بعد طردهم من المدينة
في العام الرابع للهجرة، دبر يهود بني النضير مؤامرة خبيثة لقتل رسول الله ﷺ وهو في ديارهم.
لولا أن أرسل الله جبريل عليه السلام ليخبره بمخطط اليهود، ونتيجة لذلك، قام المسلمون بإخراج اليهود من المدينة.
إتجهوا إلى خيبر وهم يحملون معهم أحقادهم على المسلمين. وما إن استقروا بخيبر حتى أخذوا يرسمون الخطط للانتقام من المسلمين. فقرروا التوجه إلى القبائل العربية المختلفة لتحريضها على حرب المسلمين.
ونجح مخطط اليهود. فقد وافقت قريش التي شعرت بمرارة الحصار الاقتصادي المضروب عليها من قبل المسلمين.
ووافقت غطفان طمعًا في خيرات المدينة وفي وعود اليهود لهم بتمر خيبر لسنة واحدة. و تبعتهم قبائل أخرى.
وهكذا اجتمع 10 آلاف مقاتل ضد المسلمين. واتجهوا إلى المدينة المنورة. فكيف سيواجه المسلمون هذا الموقف؟
التجهيز لغزوة الخندق (غزوة الأحزاب)
لم يكن المسلمون غافلين عن مخططات أعدائهم. فقد كانوا يتابعون بعناية أخبار الأحزاب ويحللون بدقة تحركاتهم. ويتابعون حركة الوفد اليهودي منذ خروجه من خيبر في اتجاه مكة. وكانوا على علم تام بكل ما يجري بين الوفد اليهودي وبين قريش وغطفان.
وبمجرد حصول الرسول ﷺ على هذه المعلومات، عقد ﷺ اجتماعاً عاجلاً.
حضره كبار قادة جيش المسلمين لدحض هذا الموقف الخطير. فاقترح سلمان الفارسي حفر خندق لصد عدوان الأحزاب.
وكانت فكرة عبقرية. فلم يكن حفر الخندق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم. ولهذا أعجب النبي ﷺ بهذا الرأي. واتفقت عليه كلمة المسلمين.
وبهذا يكون الرسول ﷺ هو أول من استعمل الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين.
ذهب النبي ﷺ مع أصحابه لتحديد مكان حفر الخندق، ووقع اختيارهم على شمال المدينة.
فهو الجانب المكشوف منها، حيث إن المدينة محاطة بجبلين، ومن الخلف متلاصقة كالسور المنيع.
ولم تكن هناك ثغرة في دفاعات المدينة إلا ثغرة واحدة في الجنوب الشرقي منها.
حيث تقع منازل و حصون يهود بني قريظة. وكانوا على العهد مع رسول الله ﷺ، حيث أوكلت إليهم مهمة الدفاع عن المدينة من هذا الجانب وتأمين ظهر المسلمين.
وعلى الفور شرع المسلمون بحفر الخندق، وشارك النبي ﷺ أصحابه في هذا العمل المضني. فقد كان ينقل التراب حتى وارى الغبار جلدة بطنه.
وقد اقترن حفر الخندق بصعوبات جمة من البرد والريح الشديدة والجوع والخوف.
وكان ﷺ يشارك الصحابة في آلامهم. فأثناء حفر الخندق عانى ﷺ من آلم الجوع كغيره، بل أشد حتى وصل به الأمر إلى أن ربط حجرا على بطنه الشريف من شدة الجوع.
وقد حدثت الكثير من المواقف أثناء حفر الخندق. منها أن المسلمين قد واجهوا صخرة عظيمة حالت بينهم وبين الحفر، وعجزت أمامها المعاول. فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ.
فلما رآها أخذ المعول وقال:
بسم الله.
وضرب ضربة، فكسر ثلثها، وقال:
الله أكبر. أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله.
ثم ضرب الثانية، فقطع ثلثا آخر، فقال:
الله أكبر. أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض.
ثم ضرب الثالثة، فقال:
بسم الله.
فقطع بقية الحجر، فقال:
الله أكبر. أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة.
وأخيرا، اكتمل حفر الخندق في وقت قياسي. فجمع ﷺ الجيش الإسلامي البالغ عدده 3 آلاف مقاتل، ونظّم نقاط الحراسة للخندق، وشكّل فرقًا للقتال، وأقام كتائب للمقاومة، بهدف منع المشركين من تجاوز الخندق تحت أي ظرف.
كما أمر ﷺ بوضع أولاد المسلمين ونسائهم في حصن بني حارثة لتأمينهم.
وبهذا لا يشغل المقاتلون أنفسهم بأمور عائلاتهم. وهكذا اكتملت كل الاستعدادات لقتال الأحزاب.
متى كانت غزوة الخندق وكيف جرت احداثها
في شهر شوال من العام الخامس للهجرة، وصل المشركون إلى المدينة المنورة ليجدوا أمامهم الخندق الذي حفره المسلمون.
لقد أعدوا العدة لكل شيء، لكنهم لم يتوقعوا أن يواجهوا مثل هذا الخندق المدهش.
بدأ المسلمون بالتصدي للمشركين، حيث قاموا برشقهم بالنبال بهدف منع عبورهم للخندق أو ردمه.
كما بادر المشركون بمحاولات حماسية لاختراق الخندق، ونجح بعضهم بالفعل في التسلل من ممرٍ ضيق في الخندق بقيادة أحد أبطالهم الذي يُدعى عمرو بن عبد ود. وكان برفقته عكرمة بن أبي جهل و ضرار بن الخطاب وغيرهم.
ولكن تصدى لهم المسلمون، حيث حدثت مبارزة رهيبة بين عمرو بن عبد ود و علي بن أبي طالب، حتى قتله علي وهرب بقية الرجال الذين جاءوا معه.
وتكررت محاولة المشركين مرة وثنتين وعشرة، وتصدى أسيد بن حضير في كتيبة من 200 مسلم لفرقة فرسان خالد بن الوليد، واستطاع أن يردهم منهزمين.
ضرب الأحزاب الحصار على المدينة، ودام الحصار شهرًا كاملاً، وازداد الموقف صعوبة على كلا الطرفين.
وفي خضم ذلك، إذ بالأخبار تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن يهود بني قريظة قد خانوا عهدهم وانضموا إلى الأحزاب. كيف حدث هذا وماذا سيكون موقف المسلمين؟
ها هم يهود بني النضير يعودون مجدداً. فلم يكتفوا بما فعلوه من حشد القبائل العربية ضد المسلمين، بل واصلوا التفكير في الطريقة التي تمكنهم من استئصال المسلمين بعد أن حال الخندق بينهم وبين هدفهم.
و وجدوا غايتهم في يهود بني قريظة. فبنو قريظة، كما ذكرنا، كانوا في الجنوب الشرقي للمدينة، ولو فتحوا الباب من جهتهم لدخول المشركين المدينة لانتهت المدينة. فما بالك لو حاربوا مع المشركين؟
وهكذا اتجه حيي بن أخطب، أحد زعماء يهود بني النضير، وأشدهم حقدًا على الإسلام والمسلمين، إلى زعيم بني قريظة كعب بن أسد.
لإقناعه بمخالفة العهد مع المسلمين والسماح للمشركين بدخول المدينة والانضمام إليهم لاستئصال المسلمين والقضاء على دعوة الإسلام في مهدها.
وبالفعل، نقض يهود بني قريظة عهدهم مع رسول الله ﷺ، وتحالفوا مع الأحزاب ضد المسلمين.
نزل خبر خيانة يهود بني قريظة على المسلمين كالصاعقة، فالمشركون حول المدينة واليهود من ورائهم، ولا أمل لهم في النجاة.
وفي هذا الموقف العصيب، ظهر المنافقون على حقيقتهم، فانسحبوا من الصفوف، وأحدهم يقول:
كان محمد يعدنا بأن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.
كان الموقف يحتاج إلى تدخل سريع قبل أن يتحول إلى كارثة، فقام رسول الله ﷺ بالتفكير في كيفية فض التحالف.
حيث اقترح أن يُقدم لقبيلة غطفان ثلثَ ثمار المدينة لمدة عام كامل مقابل انسحابهم عن حصار المسلمين. فهم قد جاءوا بالأساس طمعا في خيرات المدينة ومن أجل مال خيبر.
واستشار رسول الله ﷺ زعيمي الأوس والخزرج قبل أن يتفق مع غطفان على ذلك. فقال سعد بن معاذ:
يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء مع الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرنا أو بيعا أو فيضة. أفي حين ما كرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة! والله، لا نعطيهم إلا السيف، وحتى يحكم الله بيننا وبينهم.
فأعجب النبي ﷺ برأي سعد وأخذ به، وتأزم الموقف أكثر، وتزايدت محاولات المشركين لإقتحام الخندق.
وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد أسلم رجل من غطفان يدعى نعيم بن مسعود، وجاء إلى الرسول ﷺ يقول له:
يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت.
فقال رسول الله ﷺ:
إنما أنت رجل واحد، فخذّل عنا ما استطعت. فإن الحرب خدعة.
نجح نعيم في زرع الشك بين الأحزاب. فأغرى اليهود بطلب رهائن من قريش، لأن لا تدعهم وتنصرف عن الحصار وتخلي بينهم وبين المسلمين. وقال لقريش:
إن اليهود إنما تطلب الرهائن لتسليمها إلى المسلمين ثمناً لعودتها إلى صلحهم.
ونجحت دعاية نعيم نجاحاً ساحقاً، وانكسرت شوكة الأحزاب. ثم أرسل الله ريحاً شديدة وقاسية البرودة على معسكر الكافرين، فاقتلعت خيامهم وقلبت قدورهم وأطفأت النيران، ودبّ الرعب في قلوب المشركين.
واتخذوا قرار العودة دون قتال وفكّ الحصار. وهكذا كفى الله المؤمنين القتال ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
شكرا، مقالة جميلة 🤗