مملكة الأنباط: الحقيقة وراء انهيار الحضارة العربية الغامضة

مملكة الانباط، الحضارة العربية التي يجهلها الكثيرون، حضارة عربية قوية ازدهرت في شمال الجزيرة العربية قبل سنوات من الميلاد وحتى نهاية القرن الأول الميلادي، تاركة وراءها آثاراً خالدة تبقى شاهدة على تلك الحقبة الهامة من الزمن.

مملكة الانباط

مملكة الأنباط


من هم الانباط؟


إنهم الأنباط الذين أسسوا مملكة عظيمة امتدت من سوريا إلى شبه الجزيرة العربية، ومن غرب العراق إلى صحراء سيناء، متخذين من مدينة البتراء عاصمة لهم. فمن هم الانباط وما سر ذلك الغموض الذي يكتنف حضارتهم؟

من أين جاء الأنباط؟


قبل الحديث عن الحضارة النبطية، يجدر بنا أن نلقي نظرةً سريعةً على جذور الأنباط. فالحقيقة أن ذلك الأمر كان وما يزال مثار جدل بين الباحثين، يربط بعض الباحثين بين الأنباط وبين كلمة "نبيت" التي وردت في سجلات الملك الآشوري تجلات بلاسر. إلا أن هذا الرأي قد تم دحضه، لأن الانباط عرفوا أنفسهم باسم "نبطو".

كما أن ورود الاسم في سجلات الملك الأشوري كان أسبق بكثير من ظهور الأنباط المعروف في القرن الرابع قبل الميلاد، أي بفارق أربعة قرون كاملة. في حين ذهب آخرون إلى أن أصل الانباط جاء من "نبايوت"، وهو ابن النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، بحسب ما ذكر في التوراة.

وهناك بعض الباحثين الذين يرون أن الأنباط جزء من قبائل ثمود، فقد أثبتت النقوش المكتشفة في مناطق الجزيرة العربية انتشارًا واسعًا لهذه القبائل في تلك المناطق. ويدعم ذلك الرأي ما تم العثور عليه من تراث ديني للأنباط.

خاصة فيما يتعلق بأسماء الآلهة، فإلى جانب عبادة الشمس، كان الأنباط يعبدون أصنامًا مشهورة عند العرب القدماء، مثل هبل واللات والعزى ومناة وغيرهم.

وهناك رأي آخر يقول بأن الأنباط جاءوا من الساحل الغربي للخليج العربي أو من جنوب بلاد الرافدين. لورود اسم الأنباط من بين القبائل الرافدية.

بل وذهب البعض إلى أن الأنباط جاءوا من خارج الجزيرة العربية، وذلك لأن الجزيرة العربية كانت تتميز بحضارة بدوية أو زراعية. ومن ثم استبعدوا أن تكون حضارة الانباط نتاجًا لها.

وبالرغم من ذلك الغموض الذي يلف أصول الانباط، إلا أن الباحثين قد أجمعوا إلى أن الأنباط كانوا عربًا، بشهادة من عاصروهم من الأجانب، إلى جانب وصف التوراة لهم بذلك.

كما أن موطنهم الأصلي هو الجزيرة العربية، وأسماء ملوكهم ومعظم أعلامهم وحتى آلهتهم كانت عربية، مثل عبادة ومالك والحارث وصالح.

أما ما يثبت عروبتهم بصورة قاطعة، فهو أصول الكتابة والحروف العربية حالياً، اللتان تستندان إلى ما وصلت إليه الكتابة النبطية في هذا المجال.

تاريخ مملكة الانباط


يبدأ تاريخ الأنباط منذ حوالي عام 586 قبل الميلاد، فقد عاشوا على مقربة من الأدوميين في البداية، وتحديداً على جبل يعرف الآن باسم صلاح.

وبمرور الوقت، اختلط الانباط بالأدوميين، وقاموا ببناء مدينة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم رقمو. ومع زيادة قوتهم، تمكن الأنباط من السيطرة على تجارة شمال الجزيرة العربية والبحر الأحمر.

وعند سقوط الدولة السلوقية في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، برزت دولة الأنباط كمملكة مستقلة، امتدت حدودها لتشمل مساحات شاسعة من المدن المحيطة.

كيف كانت حياة الانباط؟


في بداية أمرهم كان الانباط يعيشون حياة بدوية قائمة على الرعي، كما هي عادة العرب القدماء. وقد وضعوا لأنفسهم عدة قوانين، حيث حرموا استعمال الخمور ومنعوا العمل بالزراعة أو بناء البيوت.

لكن مع اتصالهم بالدول المجاورة، بدأوا يتأثرون بحضارتهم، وعرفت الزراعة طريقها إلى أرضهم أخيرًا.

ورغم أنهم يعيشون في صحراء شحيحة بالماء، إلا أنهم حرصوا على الاستفادة بكل قطرة مياه، سواء أكانت أمطارًا أو ينابيعًا طبيعية.

وقد أقاموا خزانات واسعة لحفظ المياه والاستفادة منها وقت الحاجة، إلى جانب إنشاء سدود وصهاريج محفورة في الصخور وقنوات لري الأراضي والحدائق والمنازل والمعابد.

وحتى أن كثيرًا من الآبار الصناعية التي تعود إلى عصر الأنباط لا تزال حتى الآن تمد السكان بالمياه، مما يدل على مدى المهارة الهندسية التي وصل إليها الأنباط.

ما هي انجازات الانباط؟


التجارة في حضارة الأنباط


الواقع أن معرفتهم للزراعة جاءت نتيجة لتعاملاتهم التجارية مع البلدان الأخرى. وقد كان الأنباط تجارًا ماهرين، فاتسع نشاطهم التجاري ليشمل الصين والشرق الأقصى وروما واليونان ومصر والهند وسوريا.

وقد ضمت تجارتهم العديد من السلع، كالملح والقار والزيوت والفخار والمعادن وغيرها. كما أنهم اهتموا بجلب السلع المختلفة من البلدان التي يتعاملون معها، مثل الكافور والطيب واللبان واللؤلؤ والقرنفل وغيرها.

مما ساعد على ازدهار النشاط التجاري أن عاصمتهم كانت طريقاً تجارياً دولياً للكثير من القوافل التي تنتقل من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.

هذا، إلى جانب اهتمامهم بالتجارة البحرية في البحر الأحمر والبحر المتوسط وخليج العقبة. ومن أهم الموانئ البحرية التي سيطر الأنباط عليها ميناء أيلة على خليج العقبة وميناء غزة على البحر المتوسط.

الفنون في حضارة الأنباط


إلى جانب التجارة عرف الانباط أنواعاً مختلفة من الفنون، خاصة النحت وفن العمارة. فقد تركوا وراءهم الكثير من الآثار والمقتنيات الأثرية النادرة. ولعل أشهرها مدينة الحجر الأثرية، ثاني مدن حضارة الأنباط، التي تسمى الآن بمدائن صالح.

وتضم الكثير من المقابر والنصب التذكارية الجنائزية من القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الأول الميلادي. إلى جانب حوالي 50 نقشاً تعود لتلك الفترة.

وعدداً من رسوم الكهوف، الأمر الذي أهلها لتكون على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2008، ولتصير أول موقع في المملكة العربية السعودية ينال تلك الصفة.

وعلى الرغم من أن المملكة كانت تشترط الحصول على موافقة رسمية، ولسبب وجيه، لزيارة مدينة الحجر بناءً على فتوى بتحريم دخولها، إلا أنها سمحت الآن للعامة بزيارة المدينة دون قيد أو شرط عام 2012.

الإنتاج الصناعي والتعدين في حضارة الأنباط


بالعودة إلى الحضارة النبطية، فقد عرف الانباط الإنتاج الصناعي والمعادن والتعدين. وكانوا يجمعون القار من البحر الميت ويصدرونه إلى مصر، حيث كان المصريون القدماء يستوردونه منهم لاستخدامه في تحنيط الموتى.

كذلك قاموا بسك العملة وصناعة الملابس من الكتان والجلود. وقد عملوا كذلك في صناعة الحلي والصناعات الخشبية والتماثيل. واستخرجوا الملح وصنعوا الفخار.

كما أن الانباط صنعوا السفن، وأصبح لهم جيش قوي وقوة بحرية عظيمة. وهكذا تحولت القبائل البدوية إلى مملكة عظيمة دامت لعدة قرون قبل أن تحل عليها النهاية الحتمية.

كيف انتهت حضارة الانباط؟


كانت الحضارة النبطية تقوم بشكل أساسي على التجارة، وهو ما كان عليه الاقتصاد النبطي بالتبعية. لكن قام الإمبراطور الروماني تراجان بتحويل خط سير الطريق التجاري المار من عاصمة مملكة الأنباط هي البتراء، إلى مدينة بصرى.

ومن ثم فقد الأنباط سيطرتهم على طريق التجارة الدولية، ليبدأ الاقتصاد النبطي بالانهيار. وفي النهاية، أصبحت مملكة الأنباط مقاطعة تابعة للإمبراطورية الرومانية عام 106 قبل الميلاد، لتندثر بذلك الحضارة النبطية.

ومما يؤسف له حقاً، أنه بالرغم من تقدمهم ومن معرفتهم للقراءة والكتابة، إلا أن الانباط لم يسجلوا تاريخهم باستثناء ما سجلوه على المعابد والآثار التي تركوها. ولولا علاقتهم بالدول الأخرى، ربما لم نكن لنعرف عنهم شيئا.

ويمكن القول أن معظم ما وصلنا من معلومات عنهم كان بفضل الكتاب اليونانيين والرومانيين. وبالرغم من ذلك، فهي معلومات قليلة جداً.
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url