إمبراطورية حضارة الإنكا كيف عاشوا وما سبب اختفائهم

حضارة الإنكا، واحدة من أهم الحضارات التي بناها الهنود الحمر، حضارة غامضة سيطرت على أمريكا الجنوبية وأقامت فيها إمبراطورية شاسعة. كانت تعيش في أمان لأكثر من قرن ونصف القرن من الزمان دون أن يكون لها اتصال خارجي بالعالم، حتى جاء الغزاة الإسبان ليقضوا عليها وتصبح أثراً بعد عين.

حضارة الإنكا

أسرار حضارة الإنكا


نشأة حضارة الإنكا


تأسست إمبراطورية الإنكا في أمريكا الجنوبية فيما يُعرف اليوم بـ (كولومبيا والإكوادور والبيرو والأرجنتين)، وقد امتدت فترة حكمها من نحو عام 1400 حتى عام 1533 للميلاد، ورغم أنها لم تستمر لفترة طويلة، إلا أن تأثيرها استمر حتى يومنا هذا.

كانت نواة إمبراطورية الإنكا قبيلة صغيرة على مرتفعات البيرو، حيث تقول إحدى الأساطير بأن أسلاف حكام الإنكا خلقهم معبود الشمس وهاجروا من كهف يدعى "تومبو توكو".

كانوا أربعة إخوة وأربع أخوات يرأسهم الأخ آيار مانكو الذي حمل صولجانا ذهبياً به إرشادات اكتشاف مكان معين. هناك، ستبتلع الأرض الصولجان وتكشف لهم أكثر المناطق خصبة.

وبعد بحث مكثف وصل مانكو وإخوته إلى وادي كوزكو حيث غطس الصولجان في الأرض. فطردوا السكان الأصليين وحاربوهم، وأسسوا سابا إنكا، أول سلالة من مملكة كوزكو. وتحول آيار مانكو إلى مانكو كاباك وصار أول سابا إنكا، أي ملك الإنكا.

وهناك أسطورة أخرى تقول بأن تيسي أرسل "فيراكوتشا"، وهو المعبود العظيم لدى حضارة الإنكا، أرسله من كولينا، وأبنائه الأربعة وبناته الأربع لإنشاء قرية.

وفي الطريق أنجب سينشي روكا الطفل مانكو كاباك، وهو الشخص الذي قادهم إلى وادي كوزكو حيث أُسسَت القرية الجديدة، وأصبح مانكو زعيم القرية.

لغة حضارة الإنكا


كانت الكيتشوا هي اللغة الرسمية في الإنكا، وكانوا يتحدثون بأكثر من 700 لغة محلية.

ومما يؤسف له حقاً أن حضارة الإنكا لم تمتلك نظاماً للكتابة، لكنها عرفت نظاماً لحفظ السجلات يعرف باسم "الكويبو"، الذي استعمل خيوطاً مربوطةً لتحديد قدر معين من المعلومات.

لا نعرف حتى اليوم ما هي هذه المعلومات بالضبط، وما الذي عناه نظام الكويبو بالنسبة لشعب الإنكا. لذا، فإن المعلومات التي توفرت لدينا عن حضارة الإنكا قليلة جداً.

نظام الحكم في حضارة الإنكا


كان نظام الحكم في إمبراطورية الإنكا نظامًا ملكيًا، فكان سابا إنكا هو أقوى شخصية في الإمبراطورية.

وقد شرع الملك القوانين التي أمرت بها المعبودات حسب معتقداتهم ونقلها للنبلاء العشرة الذين يلونه أهمية في الترتيبية الهرمية. فنقلوها بدورهم للعشرة الذين تحتهم، وهكذا حتى تصل إلى أدنى مستويات. وبهذا حفظ النظام بسهولة.

تميز حكام الإنكا بالطموح، وتمكنوا من بسط نفوذهم على الشعوب الأخرى المنتشرة عبر الساحل من كولومبيا إلى الأرجنتين. حتى صارت إمبراطورية الإنكا أكبر إمبراطورية في الأمريكتين قبل وصول كولومبوس.

تغطي مساحة تقدر بنحو مليوني كيلومتر مربع وعدد سكان يتراوح حسب التخمينات بين 6 ملايين إلى 14 مليون نسمة.

وقد ترابطت أنحاء الإمبراطورية الإنكية بشبكة طرق هائلة امتدت على مسافة تبلغ نحو 40 ألف كيلومترا، جعلت الاتصال بين أقصى النقاط في الإمبراطورية وأبعدها عن بعضها ممكنًا في غضون أيام.

وبفضل نظام الطرق وخدمة السعاة، كان بإمكان الملك إرسال أمر استنفار جيش للدفاع، فيستجيب الرجال من مختلف الجماعات في الوقت المناسب.

لكن، كيف يمكن للطبقة الحاكمة أن تدير إمبراطورية شاسعة كإمبراطورية الإنكا؟

من أجل التعامل مع تلك المشكلة، أنشأت الإنكا نظام الخدمة المدنية، الذي يقوم على اختبار ذكاء الأولاد والبنات من قبل المسؤولين.

فإذا فشلوا في الاختبار، يتم تعليمهم حرفة واحدة، أما إذا نجحوا فيتم إرسالهم إلى العاصمة كوزكو ليتعلموا ويصبحوا مديرين.

وقد قسمت إمبراطورية الإنكا إلى مقاطعات، فكان لكل مقاطعة حاكم يشرف على أقسامها ومسؤوليها المحليين.

كما كانت هناك سلاسل قيادية منفصلة لكل مؤسسة عسكرية أو دينية، وكان كل مسؤول محلي مسؤولاً عن تسوية النزاعات وتتبع مساهمة العائلة في الخدمة العامة الإلزامية للشعب.

ديانة حضارة الإنكا


تعددت المعبودات في إمبراطورية الإنكا، فلكل معبود مجال معين من النفوذ والسلطة.

وكان أهم تلك المعبودات المعبود باتشاكاماك، حيث ساد الاعتقاد لديهم بأنه خالق البشر والنبات، والمشرف على الزراعة ومواسم الحصاد الجيدة.

فحين يرضى يصير كل شيء على ما يرام، أما حين يغضب فربما يسبب الزلازل. لذا كانوا يسعون لإرضائه من خلال تقديم القرابين والأضاحي، بما فيها الأضاحي البشرية.

وقد عرف الإنكيون مفهوم الجنة والنار قبل وصول المسيحية إلى المنطقة. وكانت القاعدة الرئيسية عندهم (لا تسرق، لا تكذب، لا تكن كسولاً).

فإذا عاش الإنكي ملتزماً بهذه القاعدة، فإنه بعد الموت سيذهب إلى أرض الشمس، حيث الدفء والمتعة والقرب من المعبودات. أما إذا تجاهلها، فمصيره العالم السفلي، حيث البرد وشعور الروح بالوحشة وتجوالها في الظلمة الأبدية.

كما اعتقدوا بأنه من الممكن للمرء أيضًا أن يعود إلى هذه الحياة فينال فرصة أخرى. وهذا مصير الأرواح التي لم تكن في حياتها شديدة الخير أو الشر.

وقد مارس الإنكيون التحنيط وتركوا حاجيات الميت معه في قبره، ووضعوا الجثث المحنطة في قبورها بوضعية الجلوس.

الحياة اليومية في حضارة الإنكا


تميز شعب الإنكا بالترابط الأسري، فكان أساس المجتمع هو العائلة والمجموعة المحيطة بها، والتي تعرف باسم "الأيلو".

وقد سادت عندهم فكرة أن المجتمع كله هو عائلة واحدة، وأن على الناس أن يُعاملوا جيرانهم كما لو كانوا من دمهم ولحمهم.

قام مجتمع الإنكا بشكل أساسي على الزراعة. فكانت كل أيلو مسؤولة عن قطعة أرض معينة، عليها زراعتها بإشراف مجموعة من النبلاء تعرف باسم الكوراكاس.

وقد أسس الإنكيون نظمًا انتشارية لحقولهم الزراعية، تسمح بإنتاج كميات كبيرة من الغذاء. وكثير من الحقول التي يستخدمها المزارعون اليوم أُنشئت تحت إشراف الإنكيين.

زرع الإنكيون المحاصيل الزراعية على شواطئ المحيط الهادئ وفي أعالي جبال الأنديز وغابات الأمازون الممطرة، مستفيدين من المناخات الدقيقة التي تستطيع إنتاج مجموعة متنوعة من المحاصيل على مدار السنة.

وقد استزرعت الأنكى حوالي 70 نوعاً من المحاصيل، حيث كانت البطاطا والفلفل الحار والبندورة والذرة هي المحاصيل الرئيسية لهذه الحضارة.

كما طورت الإنكا العديد من المحاصيل الزراعية، مما جعلت أمريكا الجنوبية واحدة من أهم مراكز تنوع المحاصيل في العالم.

إلى جانب الزراعة، عرفت حضارة الإنكا ببعض الصناعات. فاستخدم الإنكيون الصدف والسيراميك في صناعة الطبول وآلات النفخ مثل المزامير والأنابيب والأبواق.

حيث احتلت الآلات الموسيقية شعبية كبيرة لدى الناس، كون الغناء أحد النشاطات الترفيهية لديهم. كما عرف الإنكيون أيضًا صناعة الأواني الفخارية، ولعل القدر الإنكي الأكثر نموذجية هو الأريبالو.

وكانوا يزخرون القدور بأشكال مثلثة أو تشبه الريش. كذلك اشتهرت لديهم صناعة المشغولات الذهبية، فصنعوا العديد من الأشكال الجميلة من الذهب.

أما عن التجارة، فلم تكن هناك قوافل تجارية أو علاقات تبادلية مع الحضارات الأخرى. فكانت التجارة محلية، حيث يزرع الجميع طعامهم ويقايدون الطعام بسلع أخرى مثل البطانيات أو السلال.

العلوم والفنون في حضارة الإنكا


دعونا نتعرف الآن على العلوم والفنون التي ميزت حضارة الإنكا.

فقد اخترع الإنكيون التقويم لأسباب دينية، وقد قسموا التقويم إلى 12 شهرا، ثم قسموا كل شهر إلى 3 أسابيع، وكل أسبوع إلى عشر أيام.

كما قاموا باختراع أبراج تسمى بـ "صانعي الوقت" لتخبرهم بموعد بدء الشهر الجديد، واستخدموا الشمس أيضاً لتمييز مرور الوقت.

حقق الإنكيون تقدماً جيداً في مجال الطب، حيث استخدموا أوراق الكوكا لتقليل الجوع والألم. كما أنها استخدمت أيضاً لتُعطي طاقة إضافية عند القيام ببعض المهام مثل السفر إلى أماكن أخرى. واستخدموا أيضاً اللحاء المسلوق من شجر الفلفل لوضعه على الجرح، وهو دافئ.

عرف الإنكيون تخزين الطعام بطريقة آمنة عن طريق تجفيف الطعام بالتجميد.

فكان يتم تنشيف الطعام من الماء بأكبر قدر ممكن، ثم يضعون الطعام في الشمس ليجف ويتركوه في الليل معرضاً للهواء حتى يتجمد، وعندما يريدون استخدام الطعام كانوا يضيفون القليل من المياه لاستخدامه.

في جانب الفنون، كانت الأشكال الهندسية البسيطة والتشبيهات الحيوانية على السيراميك، والأعمال المعدنية، والمنحوتات الخشبية جزءًا من الفن الذي تركته حضارة الإنكا. وكانت الزخارف خاصة بحضارة الإنكا فقط دون تقليد للحضارات السابقة.

من بين الفنون التي ميزت حضارة الإنكا الهندسة المعمارية، التي يعكسها صناعة الفخار والمنسوجات.

كما استخدمت المعابد الحجرية لأول مرة بشكل واسع في حضارة الإنكا، إذ قاموا ببناء مدن كاملة بجدران مستقيمة باستثناء المواقع الدينية.

وقد كان يتم نحت الصخور حتى تتناسب مع بعضها البعض عن طريق وضع الصخور فوق بعضها ونحت الأجزاء غير المرغوبة، وهكذا إلى أن تتماسك الصخور مع بعضها البعض وتصبح كقطعة واحدة.

شكلت آثار الإنكا المعمارية أحد المآثر التي ذاع صيتهم بها، فاشتهروا بأنهم بناة صخور بارعين.

حيث تمكنوا من تشييد بنايات من صخور ضخمة ترصف مع بعضها بدقة عالية، وذلك دون أن يستخدموا الإسمنت أو الملاط، وحتى بعد مرور أكثر من 400 عام لم تقدر عليها الزلازل.

ها نحن ذا على موعد مع الفصل الأخير لحضارة الإنكا، ذلك الفصل الذي جاء مع اكتشاف كريستوفر كولومبوس للأمريكيتين.

لتحل اللعنة على شعب حضارة الإنكا كما حلت على بقية شعوب الأمريكيتين. فكيف ستكون نهاية تلك الحضارة ياترى؟

كيف انتهت حضارة الإنكا


بدأت عوامل الضعف تعرف طريقها إلى حضارة شعب الإنكا مع توسع الإمبراطورية. فقد ثارت الشعوب الخاضعة للإنكا، وانتشرت الثورات في أنحاء الإمبراطورية. كما اندلعت حروب أهلية بعد وفاة الإمبراطور سابا إنكا وابنه نينان كويوتشي عام 1527 للميلاد.

ثم جاء الغزاة الإسبان بقيادة فرانسيسكو بيزارو عام 1533 للميلاد ليرتكبوا مجازرًا مروعة بحق السكان الأصليين وينشروا الأمراض المعدية بينهم، مما تسبب في القضاء على أغلبية الشعب، لتنتهي حضارة الإنكا في غضون 8 سنوات فقط.
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url