تاريخ الدولة العثمانية الإمبراطورية التي وحدت العالم الإسلامي

الدولة العثمانية، واحدة من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ، إمبراطورية إسلامية عظمى، قامت في ظروف عصيبة ألمت بالمسلمين.

وتتوافق نشأتها مع عصر النهضة في أوروبا، واتجاه مؤسساتها الناشئة إلى حركة الإستعمار.

لتأتي تلك الدولة وتوحد العالم الإسلامي تحت رايتها وتحقق ما عجزت عنه غيرها من الدول والإمارات الإسلامية.

لتُسيطر على 3 بحار هامة هي البحر المتوسط، والبحر الأسود والبحر الأحمر.

وتمتد أكثر من 6 قرون شملت خلالها مساحات شاسعة في قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا، لتُصبح بذلك أطول الدول الإسلامية عمراً، قبل أن تحل عليها النهاية الحتمية.

الدولة العثمانية

تاريخ الدولة العثمانية


بداية الدولة العثمانية


رُبَّ ضارةٍ نافعة، هذا ما يمكن أن نقوله عن نشأة الدولة العثمانية، فقد كانت البداية عندما نزحت قبيلة قايى التركية من جنوب غرب تركستان، هربًا من الغزو المغولي الجَارِف لآسيا الوسطى والغربية.

ليستقر بهم المقام في الأناضول.

في ذلك الوقت كانت دولة سلاجقة الروم المسلمة تعطي اقطاعاتٍ حدوديةً كبيرةً لزعماء القبائل التركية المجاهدين.

ففكر الغازي أرطغرل بن سليمان، زعيم قبيلة قايى، أن يطلب أرضًا لقبيلته من الأمير علاء الدين السلجوقي.

ليصادف أرطغرل معركة حامية الوطيس بين جيشين، أحدهما مسلم والآخر بيزنطي.

وكان الجيش المسلم على وشك الهزيمة عندما تدخل أرطغرل ومعه رجاله في اللحظة المناسبة.

فانقلبت الهزيمة نصرًا بسبب هذا التدخل.

ولحسن حظ أرطغرل، كان الجيش الذي انتصر بسببه هو جيش السلطان علاء الدين كيقباد، سلطان دولة سلاجقة الروم.

الذي أعطى أرطغرل مقاطعةً على الحدود البيزنطية، وهي منطقة سوغوت، ليحكمها.

ليصدَّ أرطغرل غارات البيزنطيين ويغير عليهم.

وكان في كل انتصار يحققه عليهم يقطعه السلطان السلجوقي الأراضي التي فتحها.

ثم توفي أرطغرل، ليخلفه ابنه عثمان، الذي تنسب إليه الدولة العثمانية، والذي تابع مسيرة أبيه.

وأخذ يشن الغارات والحملات الهجومية على البيزنطيين، ويكسب منهم قلاعًا وقرى يضمها لحساب الدولة السلجوقية.

وتوسعت إمارة عثمان، فشملت مناطق سوغوت ودومانيج وإينه كول ويني شهر وإن حصَار وقُوْيُون حِصار وكُوبْرِي حِصَار ويُوْنْد حِصَار.

وجعل يني شهر مركزاً لتلك الإمارة.

ميلاد الدولة العثمانية


ثم جاءت اللحظة الفارقة، التي كانت لحظة ميلاد الدولة العثمانية، عندما استقل الأمير عثمان بإمارته الصغيرة عن الدولة السلجوقية، بعد ضعف وانهيار تلك الأخيرة.

وتابع عثمان توسعاته حتى بلغت مساحة إمارته 16 ألف كيلومتر مربع عند وفاته عام 1326 للميلاد.

وقد رسم عثمان خطًا واضحًا لأبنائه وأحفاده من بعده، يتلخص في تفريغ حياته وحياتهم للجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام في البلاد.

فكان أن تشربَ أتباعه هذه الروح، وعليها نشأت الدولة العثمانية.

ومثلت هذه الروح الجهادية عوامل جذبٍ للفرسان التركمان من القبائل المختلفة، الذين انضموا إلى هذه الإمارة الصغيرة لتتوسع بهم وتزداد قوة في المساحة والجيش.

الدولة العثمانية في عهد أورخان


بعد وفاة عثمان، تولى ابنه أورخان حكم الدولة العثمانية. حيث استهل حكمه باستكمال فتح مدينة بورصة، التي بدأ فتحها في عهد والده، وهي أهم مدينة بيزنطية في الأناضول، وقد اتخذها عاصمةً لدولته.

ومنها انطلق لفتح بقية مدن الأناضول، كما انضمت بعض الإمارات السلجوقية إلى الدولة العثمانية.

ومن أهم إنجازات أورخان أنه أسس جيشًا نظاميًا للدولة، وهو ما عرف بالانكشارية، التي كانت الفرقة العسكرية الأكثر تطوراً في الجيش العثماني، وسيكون لها فضل كبير في كثير من الفتوحات اللاحقة.

وقد أعطى أورخان إمارة أبيه المحدودة شكل الدولة من حيث كتابة القوانين، وصكّ العملة، ووضع التنظيمات الإدارية والمالية التي أصبحت قاعدة تركن إليها الدولة في السنوات التالية.

وكانت أعظم إنجازاته أن عبر بالعثمانيين إلى الشاطئ الأوروبي عام 1352 للميلاد، ثم فتح قلعة جاليبولي عام 1354 للميلاد، ليفتح الباب للعثمانيين ليبدأوا فتوحاتهم في أوروبا.

الدولة العثمانية في عهد مراد الأول وبايزيد الأول ومراد الثاني


في عام 1362 للميلاد، توفي السلطان أورخان، ليخلفه من بعده ابنه مُراد الأول، الذي استهل حكمه بفتح أدرنة، أهم مدينة في البلقان بعد القسطنطينية، ليتخذها عاصمة لدولته.

وقد حقق مراد انتصارات رائعة على جيوش أوروبا، واستطاع أن يضم بلغاريا وصربيا وألبانيا ومقدونيا وكوسوڤو إلى دولته.

لتنتهي حياته بعد معركة كوسوڤو، حيث استشهد في آخرها.

ليخلفه من بعده ابنه بايزيد الأول، الذي واصل الفتوحات التي بدأها والده، وحقق عدة انتصارات مذهلة مكملاً فتوحات البلقان.

ودخل شمال اليونان عام 1394 للميلاد، ثم قام بعدة فتوحات في شمال بلغاريا، ودخلت إمارة الأفلاق في حمايته.

كما ضم بعض الإمارات التركية وهي قرمان و قسطموني وسيواس، كذلك ضم ملطية والبسْتان التابعتين لدولة المماليك المصرية.

ثم جاءت نهاية بايزيد بصورة مأساوية، فقد اجتاح تيمورلنك، قائد المغول، الدولة العثمانية عام 1402 للميلاد، ووقع السلطان بايزيد في الأسر ومات فيه بسبب المرض.

لتدخل الدولة العثمانية ما أطلق عليه المؤرخون مصطلح الفترة التي استمرت 10 سنوات، حيث انهارت الدولة العثمانية وبقيت بلا سلطان طوال تلك المدة، وسط تصارع ورثة بايزيد على العرش العثماني.

قبل أن يتمكن محمد الأول، المعروف بمحمد جلبي وهو الإبن الثالث للسلطان بايزيد، من السيطرة على مقاليد الحكم عام 1413 للميلاد، لتعود الدولة العثمانية قوية من جديد.

بعد وفاة السلطان محمد، تولى ابنه مراد الثاني الحكم، حيث تابع توحيد أراضي الدولة العثمانية وقضى على العقبات التي تثيرها الإمارات التركية، لينطوي تحت لواء الدولة العثمانية معظم هذه الإمارات.

وتحقق للسلطان مراد النصر في أكثر من معركة على قوى عالمية مهمة، لتعود للدولة العثمانية هيبتها كما كانت من قبل.

الدولة العثمانية في عهد السلطان محمد الفاتح


ها نحن ذا نصل إلى عصر أعظم سلاطين بني عثمان، وهو السلطان محمد الثاني، الذي خلف والده مراد الثاني ليستهل حكمه بفتح القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، عام 1453 للميلاد.

ويحقق بذلك ما عجز عنه قادة المسلمين على مدار قرون. وتتحول الدولة العثمانية إلى إمبراطورية عالمية يحسب لها العالم ألف حساب.

انتقل مركز الثقل العثماني تجاه الغرب أكثر بعد فتح القسطنطينية، واندفعت الجيوش العثمانية بقيادة محمد الفاتح نحو أوروبا لنشر الإسلام فيها.

وخاضت معارك ضارية نجحت بها في ضم مساحات شاسعة من شبه جزيرة البلقان، والسيطرة على معظم بلاد الصرب والبوسنة والهرسك، بالإضافة إلى أجزاء واسعة من أراضي اليونان وألبانيا وجنوبي رومانيا الحالية.

ثم كانت آخر فتوحات الفاتح عندما حاول فتح روما مقر البابوية ومركز المسيحية في العالم، لكنه توفي قبل أن يحقق هدفه.

ليتولى ابنه بايزيد الثاني الحكم عام 1481 للميلاد، وكان بايزيد يميل إلى السلم، وإن لم يمنعه ذلك من صد الأخطار التي أحاطت بالدولة العثمانية.

تعاقب السلاطين على الدولة العثمانية


في عهد بايزيد تعاظم خطر إسبانيا بعد أن سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492 للميلاد.

وكذلك البرتغال التي أعلنت أنها ستدمر الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وستنبش قبر رسول الله ﷺ، وتساوم المسلمين على القدس الشريف بالجثمان الطاهر، مستغلين ضعف دولة المماليك.

كما تعاظم خطر الدولة الصفوية التي أخذت تتغول على حساب الدولة العثمانية.

لكن بايزيد لم يأخذ موقفا جادًا تجاه هذه الدولة، فقام ابنه سليم الأول بخلعه من العرش وتولى الحكم عام 1512 للميلاد.

لينجح في تحجيم خطر الدولة الصفوية قبل أن ينطلق ليسقط دولة المماليك في الشام ومصر عام 1517 للميلاد.

كما سقطت الخلافة العباسية بعد أن تنازل الخليفة العباسي المتوكل على الله عن الخلافة للسلطان العثماني وسلمه مفاتيح الحرمين الشريفين.

ليبدأ بذلك عهد جديد في تاريخ العثمانيين الذين وقفوا للدفاع عن العالم الإسلامي أمام هجمات الأوروبيين.

وسيطروا على المشرق الإسلامي في عهد السلطان سليمان القانوني، الذي تولى الحكم بعد وفاة والده سليم الأول عام 1520 للميلاد.

لتبلغ الدولة العثمانية في عهده أقصى اتساع لها.

فقد استأنف السلطان سليمان سلسلة الفتوحات التي بدأها آباؤه وأجداده، وأضاف إلى أملاك الدولة العثمانية العديد من البلدان والأراضي التي لم يتسنى لغيره السيطرة عليها.

ولم يصل إليها سلطان قبله ولا بعده، فقد ألحق الكثير من البلاد بالدولة العثمانية، ومنها المَجَرّ و أردل و طَرَابلُس الغَرب والجزائر والعراق و رودس ومعظم أنحاء كردستان وقسم من جورجيا وجزر بحر إيجه وبلغراد و جزيرة جربة، حتى وصل بفتوحاته إلى أسوار فيينا.

نهاية الدولة العثمانية


بعد وفاة السلطان سليمان القانوني عام 1566 للميلاد، بدأ الضعف يعرف طريقه إلى الدولة العثمانية، حيث تسلم زمام أمور الدولة من بعده عدد من السلاطين الضعاف.

لتستسلم لما وصفه المؤرخون بالتراجع البطيء والطويل الأمد، في الوقت الذي تكالبت فيه الدول الأوروبية على الدولة العثمانية.

فأخذت تفقد أراضيها شيئًا فشيئًا، وسط المؤامرات والفتن والثورات التي عصفت بها، حتى كان دخولها للحرب العالمية الأولى عام 1914 للميلاد.

لتخسر الحرب ويتم إسقاط محمد السادس آخر السلاطين العثمانيين عام 1922 للميلاد، ومن ثم توقيع معاهدة لوزان عام 1923 للميلاد بين تركيا وريثة الدولة العثمانية وبين القوى المنتصرة في الحرب، والتي حددت حدود دولة تركيا الحديثة، لتنتهي بذلك الإمبراطورية العثمانية.

المصادر:

  • Islamstory
  • Aa
  • Islamonline
  • كتاب أطلس التاريخ المملوكي
  • كتاب فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح
  • كتاب السلطان محمد الفاتح
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url