معركة وادي المخازن وكيف أباد المغاربة جيوش البرتغال

معركة وادي المخازن، أو معركة الملوك الثلاثة، واحدة من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ المغرب. معركة دارت بين المغرب والبرتغال، ليسقط فيها ثلاثة ملوك صرعى، وتمحى دولة البرتغال من على خريطة العالم لمدة 60 عامًا. ليظل المغرب آمنًا من الغزو الأوروبي طوال ثلاثة قرون، إنها المعركة التي أعادت للمغرب هيبته، ولقبها المؤرخون بـ"غزوة بدر الثانية".

معركة وادي المخازن

معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاثة)


الدولة العثمانية تعجز عن فتح المغرب


ها هي الدولة العثمانية، تتجه نحو الشرق وتضمُّ معظم الدول العربية والإسلامية تحت حكمها.

وتنجح في إسقاط دولة المماليك في الشام ومصر في عهد السلطان سليم الأول.

لكن، سواحل بقية شمال إفريقيا لم تدخل تحت سيطرة العثمانيين سريعًا، فقد والى البعض الدولة العثمانية، في حين عاداها آخرون.

وكان من بينهم السلطان السعدي محمد المتوكل على الله، ملك المغرب، الذي وقف حائط صد ضد توسع العثمانيين، بل وتقرب إلى الأوروبيين لحمايته من الدولة العثمانية.

الصراع على العرش في المغرب


اندلع صراع بين المتوكل وعميه عبد الملك السعدي، وأحمد المنصور، الذين اتجها نحو الجزائر يطالبان من العثمانيين مساعدتهما على إزاحة هذا السلطان الذي يتحالف علناً مع أعداء المسلمين.

وبالفعل، أمدهم العثمانيون بخمسة آلاف من الجند بالإضافة إلى ما يحتاجونه من السلاح.

وعاد الأخوان على رأس ذلك الجيش إلى المغرب ليحاربوا المتوكل، حيث انضم إليهما مجموعات كبيرة من القبائل المغربية.

كما انضم إليهم رئيس جند الأندلسيين في جيش المتوكل. وكان جند الأندلسيين من أهم الفرق وأكثرها قوةً واستعدادا وعددا وحرفية.

ولكنهم كانوا يكنون الكراهية للسلطان الغالب وابنه المتوكل، لتحالفهما وتعاونهما مع أعدائهم القدامى من الإسبان والبرتغاليين، الذين طردوهم من ديارهم وقتلوا ونكّلوا بإخوانهم في الأندلس.

استعانة المتوكل بالبرتغال لاستعادة عرشه


لما رأى المتوكل ذلك، أدرك أنه مهزوم لا محالة، ففر من المعركة واستقرت الأمور لعبد الملك السعدي.

لكن المتوكل لم يستسلم، فخاض ضد عميه 24 معركة خلال سنتين بعد خلعه، انهزم فيها جميعاً، لكنه كان على استعداد لفعل أي شيء من أجل استعادة عرشه.

فاتجه إلى ألد أعداء المسلمين ليستعين بهم في مواجهة العثمانيين.

إنهم البرتغال، الذين أذاقوا المسلمين ألوانًا من الجحيم، هم والإسبان، واحتلوا معظم سواحل المغرب والجزائر قبل سنوات قليلة.

وها هي ذي الفرصة تأتيهم على طبق من ذهب، عندما اتجه إليهم المتوكل ليستعين بهم في استعادة عرشه.

  • ما هي الصفقة التي عقدها المتوكل مع البرتغال لاستعادة عرشه؟
  • كيف ستكون المواجهة بين البرتغاليين والمسلمين هذه المرة؟
  • ومن هم الملوك الثلاثة الذين لقوا مصرعهم في معركة وادي المخازن؟

لجأ الملك المخلوع المتوكل إلى ملك البرتغال سبستيان الأول يطلب عونه لاستعادة عرشه، ووجد الملك البرتغالي الشاب أن هذه فرصة ممتازة لإحتلال المغرب، فقد كان سيباستيان يعد لهذا الغزو منذ 3 سنوات، وها هي ذي الفرصة قد أتته.

فاشترط على المتوكل التنازل عن مدن الساحل المغربي كلها بعد استعادته لعرشه، وأن تكون للمتوكل المدن الداخلية فقط.

ووافق المتوكل على شرط البرتغاليين، ودلالة على حسن نيته، سلم المتوكل مدينة أصيلا للبرتغاليين حتى يتخذونها قاعدة انطلاق لمعركته القادمة، ليصير بذلك خائنا لأمته ووطنه.

معركة وادي المخازن


جهز الملك البرتغالي أسطولاً ضخماً مكوناً من 500 سفينة، ويحمل آلاف الجنود، وجعل نفسه قائدًا له، ودعى معظم نبلاء البرتغال للمشاركة في الحملة.

وفي 24 من يونيو عام 1578 للميلاد، غادر البرتغاليون بلادهم من ميناء لشبونة باتجاه المغرب، ورسوا في ميناء أصيلا.

ثم تحرك الجيش البرتغالي جنوباً حتى التقى مع المتوكل، الذي كان يقود فرقة من المغاربة تابعة له.

فاتحد الجيشان وتوجهوا جميعاً للجنوب، لملاقاة عبد الملك السعدي.

في تلك الأثناء، كان عبد الملك مريضًا جدًا، فنصحه المقربون منه بعدم ركوب الخيل وعدم المشاركة في الحرب.

لكنه أصر على قيادة الجيش بنفسه، ودعى الناس إلى مقاومة الغزاة، وحرك الحَميَّة الإسلامية في قلوب المغاربة والأندلسيين.

ولحقت به فرقة عثمانية من تونس والجزائر، بقيادة والي تونس رَمَضان باشا.

أرسل عبد الملك رسالةً إلى سباستيان يستفزه فيها، حتى يتحرك لملاقاته في المكان الذي حدده.

فاستثار سباستيان وقرر التحرك إليه. وكان عبد الملك محنكاً، فقد قصد من هذه الرسالة أن يقطع سباستيان عن مناطق الإمداد والتموين لجيشه في الساحل.

وهكذا وقع سباستيان في الفخ، وتحرك لملاقاة جيش عبد الملك.

ولتكتمل خطة عبد الملك، فقد أمر جنوده بهدم قنطرة نهر وادي المخازن، وهكذا لن يجد البرتغاليون طريقاً للرجوع إلى مدينة أصيلا.

في الـ 4 من أغسطس، التقى الجيشان في معركة حامية الوطيس قرب وادي المخازن.

كانت الصبغة الدينية للمعركة واضحة، فالبرتغاليون يقودون حملة صليبية ضد المسلمين، والمسلمون من المغاربة يدافعون عن بلادهم ضد المحتلين، والأندلسيون يقاتلون، وفي ذكرياتهم الأذى الذي لاقوه من الإسبان والبرتغاليين.

والعثمانيون يحاربون وهم يستعيدون تاريخ حرب طويلة غير حاسمة مع البرتغاليين في المحيط الهندي.

أما فرقة الملك المخلوع المتوكل، فقد خانوا إخوانهم واتحدوا مع البرتغاليين أعداء الإسلام لاستعادة العرش.

بدأت المعركة بقصف مدفعي متبادل بين الفريقين، وفي أول ساعات القتال قُتِل قائد الوسط في الجيش البرتغالي، توماس ستاكلي، بقذيفة.

وكان إنجليزياً كاثوليكياً متعصباً، كما أنه كان من أهم الشخصيات العسكرية في جيش البرتغال، وهو من المشاركين سابقاً في معركة ليبانتو التي انتصر فيها الصليبيون على العثمانيين عام 1571 للميلاد.

فكان لقتل هذه الشخصية الهامة في أول لحظات المعركة أسوأ الأثر في معنويات الجيش البرتغالي.

مع بداية المعركة، توفي الملك عبد الملك السعدي مع اشتداد مرضه، فأخفى حاجبه، وأخوه أحمد المَنْصُور خبر وفاته عن الجيش.

وتولى هذا الأخير قيادة الجيش المغربي، فهاجم مؤخرة الجيش البرتغالي، ثم طوق البرتغاليين بكتيبتي فرسان مغربية، مما دفع الجيش البرتغالي للتراجع إلى الوراء.

ففوجئوا بأن قنطرة وادي المخازن قد هدمها المغاربة، وهكذا بدأ الجنود البرتغاليون يرمون أنفسهم في النهر، مما أحدث حالة فوضى عارمة في صفوف الجيش البرتغالي.

استمرت المعركة 4 ساعات، دمر خلالها أغلب الجيش البرتغالي ومعاونيه من المغاربة التابعين للمتوكل.

كما قُتل هذا الأخير وهو يحارب في صفوف الصليبيين، حيث حاول الفرار من ارض المعركة، فوقع غريقًا في نهر وادي المخازن، ووجدت جثته طافية على الماء.

فسلخ المغاربة جلده، وملأوه تبنًا، وطافوا به أرجاء المغرب، انتقامًا منه.

لذلك سُمي المتوكل بـ"المسلوخ".

نتائج معركة وادي المخازن


أما الملك البرتغالي سبستيان الأول، فيبدو أنه مات غريقًا، فلم يُعثر له على أثر بعد المعركة.

وقُتل أيضا في المعركة معظم نبلاء البرتغال.

وهكذا كانت معركة وادي المخازن قاضية تماما على أحلام البرتغاليين بتوسيع أملاكهم في المغرب، إذ فني الجيش البرتغالي تقريبا في هذه المعركة.

فاستغل الإسبان الفرصة، وقاموا باحتلال البرتغال عام 1580 للميلاد.

وهكذا انمحت البرتغال من على خريطة العالم لمدة 60 عاماً متواصلة، وورثت إسبانيا كل ممتلكات البرتغال.

واستمر هذا الوضع حتى عام 1640 للميلاد.

تركت معركة وادي المخازن أسوأ الأثر في نفوس البرتغاليين، إلى درجة أن شعب البرتغالي ظل لفترةٍ يظن أن الملك سيباستيان سوف يعود لينتقم، وأنه لم يقتل في المعركة، إنما رفع وسيرجع.

وقد كتب الأدباء البرتغاليون في هذا الصدد، وانتشرت الأسطورة في البرتغال ومستعمراتها، وهي حالة صارت تعرف في التاريخ البرتغالي بالسبستيانية.

أما في المغرب، فقد أعادت هذه المعركة الهيبة للبلاد، فشهدت فترة من أزهى عصوره في عهد الملك أحمد المنصور، الذي تولى الحكم خلفاً لأخيه.

واستغل المغاربة مكانهم الاستراتيجي المتميز في العودة للتأثير على السياسة العالمية، وأمنت الدولة العثمانية على حدودها الغربية.

وتأكدت التبعية المعنوية للمغرب، وظل هذا الوضع إلى نهاية عهد الملك أحمد المنصور، الذي لقب بأحمد المنصور الذهبي بعد أن امتلأت خزائن دولته بالذهب والمجوهرات، دلالة على حالة الرخاء والاستقرار في عهده.

كما أمنت الدولة العثمانية على حدودها الجنوبية في اليمن وإريتريا، إذ لم يعد للبرتغاليين قوة لحرب العثمانيين في المحيط الهندي.

المصادر:

المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url