شريعة حمورابي المشرّع الأول الذي وضع أول القوانين في التاريخ

حمورابي المشرّع الأول والقائد البابلي، الذي لم يتكرر قط قائد فذّ وشجاع وحاكم عادل حكيم، حول مدينة بابل الأسطورية إلى إمبراطورية مترامية الأطراف، وضع لحكمها قوانين أذهلت العالم لقرون، ومنها ما نزل في شرائع سماوية بعد حكمه.

حمورابي

من هو حمورابي


في عُمْر 18، تولّى حكم بابل ليصبح الملك السادس في سلالته الحاكمة. إذ ينحدر حمورابي من قبائل العموريين التي بدأت في القرن الثالث بالانتشار في بلاد ما بين النهرين والشام، حتى ملكوها كلها.

ويظهر ذلك في اسمه الذي يمزج بين لغتين، فكلمة حمو في اللغة العمورية تعني "عائلة"، بينما كلمة رابي في اللغة الأكادية تعني "عظيم".

ورث قوة أبيه سين موباليط، وبدأ حكمه عام 1792 قبل الميلاد.

في وقت كانت بابل فيه عبارة عن دويلات في منطقة السهل الرسوبي، تمكن حمورابي من هزيمة مملكة لارسا في الجنوب ومملكة أشنونة، وحارب الملك الآشوري شمشي أدد الأول وهزم العيلاميين في الشرق، حتى وصلت حروبه لبلاد سومر الجنوبية، فضمها إلى مملكته.

واستولى على مدينة آشور، وافتتح المدن القريبة في بلاد الشام وسواحلها، ليُكَوِن بذلك إمبراطورية سامية مترامية الأطراف. كانت مثالاً للحضارة البابلية وثقافتها.

المشرّع الأول والحاكم العادل


في البداية، اعتنى حمورابي بالشؤون الداخلية لمملكته. حتى إذا ما وصل للسنة 30 من حكمه، كانت كل بلاد الرافدين تحت سيطرته المباشرة والمطلقة، ليصبح أقوى حاكم في المنطقة.

إذ كان رجل دولة ذكيا جدا ودبلوماسيا متمرسا، يتقن تشكيل التحالفات في الوقت المناسب وفضها في الوقت المناسب أيضا.

كما كون شبكة معقدة من الدبلوماسيين والجواسيس، جعلوه الحاكم الأوسع معرفة بما يجري حوله في ذلك الوقت.

وبعد أن انتهى من توطيد حكمه الذي استغرق منه سنوات طويلة حول مملكته إلى قوة معتبرة، لم يسبقه إليها الملوك الأكبر منه سناً حينها.

حمورابي يحول بابل لمملكة عظيمة


شرع حمورابي في تعزيز مملكته، فكان أول من شيَّد أسواراً محصّنة حول مدينته وكسب مودة ومحبة رعيته.

فكان حريصاً على شكرهم ويبادر بين الحين والآخر إلى إعفائهم من الديون المترتبة عليهم، ما جعله يمتلك جبهة داخلية متماسكة وشعبية لم يحصل عليها حاكم قبله.

إضافةً إلى إصلاح الطرق وبناء الجسور ودعم مشاريع البنى التحتية الضخمة مثل المعابد ومخازن الحبوب والقصور.

كذلك، شيد جسراً عبر نهر الفرات، سمح للمدينة بالتوسع في كلتا الضفتين، وحفر قناة ري كبيرة تحمي الأراضي من الفيضانات.

فحول بابل تدريجياً إلى مدينةٍ ثريةٍ ومزدهرة، وجعلها من أعظم الإمبراطوريات وأكثرها ثراءً وازدهاراً، كل ذلك على يد ملكٍ عظيمٍ جمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية معاً.

وكان يعرف كيف ومتى يستخدم كل واحدةٍ منهما، وكان من أشهر أسلحته الحربية سلاح العطش بقطع الماء عن خصومه حتى يستسلموا.

شريعة حمورابي


على لوح حجري يبلغ وزنه 4 أطنان، حفرت مسلّة من الحجر الأسود، نقشت عليها أول قوانين وضعها الإنسان في التاريخ، والتي ما تزال تعرف إلى اليوم باسم شريعة حمورابي.

وعلى المسلة حفر نقش بارز بارتفاع قدمين ونصف القدم لحمورابي وهو واقف يتسلم القانون الذي رمز إليه بصولجان وشريط من إله العدل البابلي الجالس شماس.

أما الجزء الآخر من المسلة فهو عبارة عن نصوص مسمارية محفورة، جمعت فيها السوابق القانونية، تضمنت العديد من العقوبات القاسية التي تتطلب أحياناً قطع لسان أو يد أو صدر أو عين أو أذن الطرف الجاني.

لكنها تقدم كذلك أقدم الأمثلة على عبارة المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وكتبت جميع المراسيم وعددها 282 بصيغة إذا حدث فإن، مثل قوله إذا سرق رجل ثورا فإن عليه أن يرد قيمته 30 ضعفاً.

كذلك، تتراوح المراسيم بين قوانين الأسرة والعقود المهنية والقانون الإداري. وقد راعت بشكل مذهل الفروق بين الطبقات بسياسة لا متناهية في العدالة.

فحدّدت أجر الطبيب مثلاً آنذاك بـ 10 قطع نقدية للرجل العادي و5 قطع للعبد المعتوق و 2 فقط للعبد.

كما كانت شريعته شديدة القسوة والصرامة وعادلة في آن معا، وظلت قوانينه سارية في منطقة الرافدين لفترة طويلة.

إذ وجد علماء نسخة من شريعته مكتوبة على ألواح تم نسخها في القرن الخامس قبل الميلاد، أي بعد أكثر من ألف عام من وفاة حمورابي.

كذلك، تضمنت شريعته 19 بنداً، عقوباتها صارمة جداً، تتراوح مسبباتها بين السرقة من الآلهة والقتل أو اللعن. وتنوعت أساليب هذه العقوبات من الغرامات المالية إلى السجن المؤبد.

ونالت المرأة في قوانينه نصيبًا كبيرًا، خاصة فيما يتعلق بقوانين الأسرة والزواج، حيث منحها حقوقًا سبقت عهده بقرون.

باختصار، كانت شريعة حمورابي قانوناً شملت مواده كل أمور الحياة العامة، بل ومن قوانينه ما نزل في شرائع سماوية بعد ذلك.

مسلة حمورابي ومكانتها العالمية


حمورابي، الذي توفي عام 1750 قبل الميلاد، وورثه ابنه سمسو ايلونا، كان من أوائل السياسيين العظماء الذين روجوا لأنفسهم في التاريخ.

فقد قدم نفسه عبر حكمه أنه مبعوث من الآلهة، لكنه في الوقت نفسه كان حاكمًا خيرًا حقًا، وأراد أن يتمتع رعاياه بحياة أفضل.

فضمن أن كل الناس سيحكم عليهم بإنصاف ولا يجب أن يخافوا من سلطته.

فأسس بحكمته ورجاحة عقله وعدله إمبراطورية ضخمة ومسيطرة، استمرت في دورها لقرون من بعده.

فقد اكتشفت المسلة التي دونت عليها شريعته عام 1908 في سوسة، عاصمة عيلام.

ولهذه المسلة مكانة مهمة بين الآثار التاريخية اليوم، إذ يحتفظ بها بمتحف اللوفر بباريس.

ورغم أن العلماء اختلفوا حول إنها القوانين الأولى في التاريخ، إذ سبقتها قوانين الملك اورنمو ابن مدينة اور السومرية.

إلا أن ما لا يختلف عليه أحد أبدا، أن حمورابي وضع أول القوانين المكتوبة بالتاريخ، وأكثرها اكتمالاً.
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url