طائفة الآميش الأمريكية لا تزال تعيش في عزلة عن العالم الخارجي

هل تخيلت يوما حياتك دون انترنت، أو هاتف محمول؟ هل فكرت في الطريقة التي ستكون عليها الحياة في حالة عدم وجود الكهرباء التي تعتمد عليها الغسالات والثلاجات والحواسيب والتلفاز وغيرها من الأجهزة الكهربائية؟ هناك طائفة ترفض تلك الحياة وتصر على العيش منعزلة تماما عن العالم ليتوقف بها الزمن عند القرن الـ 16، إنها طائفة الآميش.

طائفة الآميش

ما هي طائفة الآميش؟


نشأت طائفة الآميش في أوروبا بعد أن انفصلت عن طائفة المينونايت عام 1692 للميلاد، بسبب ما اعتبره الأسقف السويسري جاكوب أمان، مؤسس طائفة الآميش، تساهلا من قبل طائفة المينونايت في التعاليم الدينية المسيحية الأصلية التي ينص عليها الإنجيل.

حيث ترى طائفة الآميش أن الخلاص والفلاح يتمثل في التمسك بتعاليم الكتاب المقدس في كل نواحي الحياة، والرجوع إلى تعاليم المسيحية الأولى.

ورفض سلطة الكنيسة وعدم الاعتراف بالبابا، ويلجأون في كل أمورهم وشؤون حياتهم إلى استشارة ما يعرف بمجلس الأعيان الذي يفتي في كل صغيرة وكبيرة، وهل تتماشى مع تعاليم الإنجيل أو تخالفه.

ويعد مجلس الأعيان هذا السلطة العليا لدى الأميش.

كيف هو نمط حياة أفراد طائفة الآميش؟


تتميز حياة طائفة الأميش بالبساطة، فهم يحافظون على نمط حياتهم الطبيعي الخاص الرافض لكل ما هو جديد واصطناعي.

فبدلاً من السيارات، ستجد عربات تجرها الخيول، وبدلاً من أعمدة الإنارة والمصابيح، ستجد أن الأميش يلجأون للغاز الطبيعي المعبأ في تشغيل الفوانيس والمصابيح لإضاءة المنازل والحظائر والمحلات التجارية، وكذلك الأمر بالنسبة لسخانات المياه والمواقد.

وإذا سرت في الشوارع، ستجد نساء الأميش يرتدين الفساتين الطويلة ذات اللون الواحد، وتضع كل منهن منديلا على الرأس، لأن تغطية الرأس شرط من شروط صلاة المرأة.

أما رجال الآميش، فهم يرتدون بدلات غامقة اللون ومعاطف مستقيبة، ويضعون قبعات سوداء في الشتاء وأخرى من القش في الصيف، وليس لستراتهم أزرار، لأنها كانت تعد في أوروبا علامة على الفخر والثراء والمنصب الحكومي أو العسكري الذي يرتبط عندهم بالظلم.

وقد تستغرب عندما تجدهم جميعًا حالقي الشوارب، فهم يطلقون لحاهم بعد أن يتزوجوا.

تعامل طائفة الآميش مع الغرباء


يتميز مجتمع الأميش بالسلام والحب، وهذا ما ستلاحظه عندما تخطو قدماك في هذا المجتمع.

إذ سيستقبلك رجال الآميش ونساؤهم وأطفالهم ببشاشة وترحاب، يلوحون لك مبتسمين، رغم أنهم في الأصل يفضلون الانعزال عن العالم الخارجي ولا ينسجمون مع الغرباء.

لغة حوار طائفة الآميش


وعن لغة الحوار التي يتحدث بها الآميش، فستلمس اللهجة الألمانية في حديثك معهم بالإنجليزية، ولا عجب، فهم يتحدثون فيما بينهم لغة "بنسلفانيا دوتش"، وهي لهجة قديمة منحدرة من اللغة الألمانية التي حافظوا عليها منذ أن هاجروا من ألمانيا قبل مئات سنين.

فتلك اللغة هي لغة الآباء والأجداد التي يعتزون بها. ومع ذلك، فمعظمهم يتقنون الإنجليزية أيضًا.

مجالات العمل التي يعمل بها أعضاء طائفة الآميش


بالتعمق في مجتمع الأميش، ستجد أن معظم أفراد الأميش يعملون في مجالات الزراعة، إلى جانب مهن أخرى حرفية مثل النجارة وصناعة الألبان.

والسبب في ذلك أنهم يرون أن هذه الأعمال تحافظ على التواضع وتبقي على التماسك الأسري، خاصة وأن أفراد العائلة يعملون جميعًا معًا طوال النهار في المزرعة، معتمدين في توليد الطاقة في المزارع على طواحين الهواء القديمة.

ولكن مع الوقت، تحولت أكثر من 80٪ من مجتمعات الآميش إلى العمل في شركات صغيرة، أغلبها تعتمد على العمل اليدوي مثل الأثاث الداخلي والحدائق والحظائر الصغيرة والملابس والسلع الجلدية.

وينتج الأميش العديد من احتياجاتهم بأنفسهم، ويربون الحيوانات لإنتاج اللحوم، ويزرعون الذرة للأغذية وإطعام الحيوانات، ويزرعون الخضروات للأغذية وللبيع.

وتصنع النساء أغلب الملابس، لكنها ليست مكتفية ذاتيًا تمامًا، وتعتمد على المجتمع الخارجي لتلبية المتطلبات الأخرى.

البيوت في طائفة الآميش


إذا دخلت بيوتهم، ستجدها خالية من كل مظاهر الحياة الحديثة.

فهم يحرمون استخدام الكهرباء، نظرًا لأن الخطوط التي تمد المنازل وغيرها بالتيار الكهربائي تمثل نوعًا من الاتصال بالعالم الخارجي.

كما أنهم لا يتعاملون بالنقود الحكومية الورقية إلا في بعض الحالات الطارئة.

وأصدر مجلس الأعيان فتوًا بجواز ركوب سيارة للضرورة، بشرط أن لا يقودها الآميشي بنفسه.

وإضافة إلى ذلك، الآميش يسمحون باستخدام البطاريات التي لا تجعلهم مرتبطين بشكل مباشر بالعالم الخارجي.

التكنولوجيا في طائفة الآميش


لا يعني ما سبق أن الآميش يقفون مكتوفي الأيدي أمام الآلات البسيطة التي يستخدمونها.

فهم يعتمدون على استخدام الهواء ومحركات الطاقة الهيدروليكية من أجل تشغيل الآلات التي يستخدمونها في الزراعة وماكينات الخياطة والغسيل البدائية في المنازل.

كما أنهم يعتمدون على الغاز الطبيعي في إضاءة المنازل وتسخين المياه ومواقد الطبخ وتشغيل الثلاجات الخاصة بهم.

حال التعليم في طائفة الآميش


أما عن التعليم، فلا يؤمن الآميش بإدخال أطفالهم للمدارس، وذلك احترامًا لمعتقداتهم.

صدر قانون خاص عام 1972 للميلاد يستثني طائفة الآميش من التدريس الإلزامي في المدارس.

هذا لا يعني أن أفراد الآميش جهلة أو شيء من هذا القبيل، فهم يعلمون أبنائهم في مدارسهم الخاصة ذات الفصل الواحد التي تزودهم بمعارف أساسية في القراءة والكتابة والرياضيات وإدارة شؤون المزارع.

وهم يتبعون المنهج الأمريكي في التعليم حتى الصف الثامن، لأنه بعد ذلك يتعارض مع تعليم الأميش.

فالآميش يرون أن التعليم بعد الصف الثامن يركز على المنافسة في بيئة العمل والرياضة، وهو ما يتعارض مع تعاليم الأميش.

كما أن التعليم بعد الصف الثامن يأخذ أبنائهم بعيدًا عن مجتمع الأميش جسديًا وعاطفيًا خلال فترة المراهقة الحاسمة وتكوينية للحياة.

لذا يتوقف تعليم الأطفال في سن الرابعة عشر للالتحاق بتدريب مهني أو حرفي يخدم مجتمعهم ويفيدهم في النواحي الحياتية، تحت إشراف أولياء أمورهم والمشرفين المدرسيين.

لذا لا تستغرب عندما لا تجد بين طائفة الأميش أطباء، فهم يتلقون العناية الصحية من الأطباء الحديثين.

كيف تتعامل الحكومة الأمريكية مع طائفة الآميش وتقاليدها


لأن مجتمع الآميش مجتمع منعزل، فهم لا يؤدون الخدمة العسكرية ولا يشترون أي بوليسات للتأمين ولا يترشحون للانتخابات.

كما أن الآميش لا يدفعون ضرائب الضمان الاجتماعي، لأنهم يرفضون الحصول على مستحقاتها من الدولة، ولا يأخذون أي معونات من الحكومة، ولا يرفعون القضايا القانونية.

رغم ذلك، فهم يحرصون على الالتزام بالقوانين ويدفعون الضرائب العقارية وضرائب الدخل الفدرالية، لأنهم يعتبرون ذلك حق الدولة.

الحياة الأسرية والعائلية في طائفة الآميش


لعل أكثر ما يميز مجتمع الآميش هو الدفء الأسري، فالعائلة الآميشية مترابطة جدًا.

وعن علاقاتهم بالجيران والأقارب، فسترى أن الآميش يحرصون على إقامة علاقات طيبة مع الجيران والأقارب.

فهم يؤمنون بالتكافل ويتكاتفون فيما بينهم، ويمدون يد العون المادي والمعنوي لبعضهم البعض عند وقوع المصائب.

تجربة الحياة الحديثة في طائفة الآميش


تلك الحياة الدافئة يصعب على الأبناء التخلي عنها أو استبدالها بالحياة الحديثة، هذا ما أثبتته التجربة.

إذ إن مجتمع الآميش يسمح للمراهق بترك مجتمعه من أجل تجربة الحياة الحديثة في العالم الخارجي بشكل مؤقت قبل التعميد.

فإن الآميش لا يؤمنون بالتعميد قصرًا للأطفال حتى يصل أبناؤهم إلى سن السادسة عشر عامًا.

فإنهم لا يعتبرونهم على ديانة الآميش حتى يجري تعميدهم، حيث يطلق على هذه المرحلة رومسبرينجا وتبدأ بين سن الرابعة عشر والسادس عشر.

ويستغل بعض المراهقين هذه المرحلة لتجربة كل ما هو محرم عند الآميش، مثل استخدام الهواتف الخلوية وشرب الكحول وارتياد النوادي الليلية، وربما يمتد الأمر إلى المخدرات وممارسة الجنس المحرم قبل الزواج.

كما يتسامح الآميش مع المراهقين وأفعالهم، لأنهم قبل التعميد لا يعتبرون من الآميش، لكنهم صارمون جدًا مع من تم تعميدهم.

ففي حالة ارتكاب أحد أعضاء الآميش خطأً ما، أو هؤلاء الذين لا يلتزمون بمبادئهم وتعاليم الإنجيل الحرفية، يلجأ أعضاء الآميش إلى مقاطعة المخالفين، مقاطعة تامة.

فلا يكلمونهم أو يتعاملون معهم بهدف الضغط عليهم حتى يعودوا إلى سابق عهدهم.

الزواج في طائفة الآميش


وبعد أن ينضم الأبناء إلى الآميش ويتم تعميدهم يبدأون في البحث عن شريك لهم في الحياة، حيث إن الزواج عند الآميش يكون في سن مبكر.

فالزواج هناك أمر سهل ولا أعباء مالية ولا ضغوطات اجتماعية.

ويتوعد الشاب والفتاة في حدود معينة قبل أن يتم الزواج، وتكون الزيجات بالاختيار ولا تكون مدبرة من قبل الأهل.

وبعد الزواج، تكون الزوجات تابعة لأزواجهن، فالرجال مسؤولون عن الحياة الروحية للأسرة، وهم مسؤولون عن توفير القوت، بينما تؤدي النساء المهام المنزلية ورعاية الأطفال وتأدية أعمال المزرعة الخفيفة مثل تغذية الدجاج وحلب الأبقار.

كما يؤدي الأطفال الأعمال المنزلية منذ صغرهم، ومع تلك الحياة المستقرة، تجد أن نسبة الطلاق شبه منعدمة في مجتمع الآميش.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال