معركة جناق قلعة اخر انتصار للدولة العثمانية

معركة جناق قلعة، أو جاليبولي، تسببت في انحراف خطير في مسار الحرب العالمية الأولى. قوات الحلفاء اتجهت بثقلها نحو إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية، لاحتلالها. فدارت واحدة من أشرس المعارك في التاريخ، وسقط فيها مئات الآلاف، ليكون ذلك آخر انتصار للدولة العثمانية. ذلك الانتصار مهد لصعود نجم مصطفى كمال أتاتورك وإلغاء الخلافة العثمانية.

معركة جناق قلعة

حملة جاليبولي أو حملة الدردنيل أو معركة جناق قلعة


كيف اندلعت الحرب العالمية الأولى؟


إنه العام 1914م، ذلك العام الذي شهد عملية اغتيال ولي عهد النمسا، الأرشيدوق فرانز فرديناند، وزوجته أثناء زيارتهما لسراييفو.

لتندلع إثر تلك الحادثة الحرب العالمية الأولى، وتنقسم الدول الكبرى إلى تحالفين عسكريين الأول كان دول الحلفاء، والثاني دول المحور.

فكان أن وقعت الدولة العثمانية اتفاقية تحالف مع ألمانيا ضد روسيا، وهو ما وجدته قوات الحلفاء عقبة أمامها لحماية الروس من هجوم القوات الألمانية.

خطة ونستون تشرشل لإنقاذ الروس من خلال احتلال إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية


كان موقف روسيا في بداية الحرب حرجًا للغاية بعد الهزائم المنكرة التي أنزلتها بها القوات الألمانية، إلى جانب تدمير القوات العثمانية موانئ الروس في البحر الأسود.

حينها أرادت بريطانيا وفرنسا إنقاذ الروس، لكن كانت منطقة المضايق هي التي تفصل بريطانيا وفرنسا عن روسيا، وتحول دون إمدادها بالذخائر والأسلحة التي كانت في أشد الحاجة إليها بعد أن استنفذت احتياطاتها من الذخائر.

هكذا وضع ونستون تشرشل، الذي كان حينها وزيرًا للبحرية البريطانية، خطة حملة جاليبولي من أجل السيطرة على الطريق البحري من أوروبا إلى روسيا لتأمين الدعم لها، وكذلك تأمين القوات البريطانية المتمركزة في الشرق الأوسط، إلى جانب التخلص من الخطر العثماني عن طريق احتلال مضيق الدردنيل، وهو ممر ضيق يربط بحر إيجة ببحر مرمرة في شمال غرب تركيا، ومن بعدها السيطرة على إسطنبول.

وذلك في سبتمبر عام 1914 م، لكن بسبب انشغال قوات الحلفاء على الجبهات الأخرى تأجلت هذه الحملة.

غير أنه في عام 1915 م، تغيرت الأوضاع فقد توقف القتال على الجبهة الغربية، وأخذ الحلفاء يناقشون المضي في الهجوم على منطقة أخرى من الصراع.

في الوقت الذي جاءتهم فيه مناشدات الدوق الروسي الأكبر نيكولاس من أجل مساعدتهم في مواجهة الغزو العثماني في القوقاز، إلى جانب مساعدتهم ضد القوات الألمانية في الجانب الشرقي بعد أن تكبدت القوات الروسية خسائر فادحة أمام الألمان.

عندها قرر الحلفاء أن ساعة الصفر قد حانت، إنه وقت انطلاق حملة جاليبولي والاستيلاء على إسطنبول.

مكانة إسطنبول (القسطنطينية) عند الأوروبيين


لم تكن إسطنبول فقط عاصمة للدولة العثمانية، بل هي مدينة القسطنطينية التي كانت تحتل مكانة هامة لدى الأوروبيين، وكانوا يرون أنها إرث لهم ويجب أن تعود مهما كلف الأمر.

وهكذا وضع الحلفاء خطتهم وهم واثقون من النصر، ظانين أن المعركة ستكون هينة، وما هي إلا أسابيع حتى تسقط إسطنبول، فهو مجرد هجوم بحري سريع من خلال السفن الحربية وتنتهي الحملة بنجاح.

لكن العثمانيين كانوا يدركون جيدًا أهمية تلك المعركة، فـ جناق قلعة كانت معركة الحسم، معركة البقاء أو الزوال، لأنها خط الدفاع الأول والأخير عن إسطنبول.

فحشد العثمانيون كل طاقتهم وقوتهم لصد الهجوم المرتقب.

بداية معركة جناق قلعة أو جاليبولي


أسطول الحلفاء يصاب بأضرار بالغة، وعزل ونستون تشرشل


في 19 فبراير 1915م، بدأ الهجوم البحري من قبل الحلفاء، الذين وصلوا إلى مياه مضيق الدردنيل، وقاموا بقصف السفن الحربية لحصون الجيش العثماني، الذي لم يرد على القصف، وانسحب بشكل مفاجئ من حصونه.

قوات الحلفاء تضع خطة بديلة لمعركة جناق قلعة أو جاليبولي


ازدادت ثقة قوات التحالف بنفسها، وظنوا أن الأمر سوف يكون أسرع وأسهل من المتوقع.

وتحركوا بعدها لشن الهجوم، لكن حدث ما هو غير متوقع.

فقد اصطدم الأسطول بحقل خفي من الألغام في مياه الدردنيل، وأُصيب بأضرار بالغة بسبب ذلك.

وكان لهذا الإخفاق دويٌ هائل وصدى واسع في جميع أنحاء العالم، حتى إنه تم تنحية تشرشل من منصبه بالبحرية البريطانية لقراره الكارثي بخوض معركة جاليبولي.

خطط الحلفاء تبوء بالفشل، و العثمانيون ينتصرون في معركة جناق قلعة أو جاليبولي


في ذلك الوقت، كانت قوات الحلفاء قد تراجعت لأخذ خطة بديلة، حيث رأت تعزيز الهجوم البحري على الدردنيل بهجوم بري.

على أن يكون دور القوات البرية هو الدور الأساسي، في حين يقتصر دور القوات البحرية على إمداد القوات البرية بما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر ومواد تموينية، ومساعدتها على النزول إلى البر وحماية المواقع البرية التي تنزل بها.

وهكذا بدأت الاستعدادات لعمليات إنزال واسعة النطاق لقوات الحلفاء في شبه جزيرة غاليبولي، بمشاركة قوات بريطانية وفرنسية ونيوزيلندية وأسترالية وكندية وهندية.

وفي الوقت ذاته، عزز الجيش العثماني دفاعاته تحت قيادة الجنرال الألماني أوتو ليمان فون ساندرز ورئيس أركان الجيش مصطفى كمال أتاتورك، الذين بدأوا في تنظيم تواجد وحدات الجيش على طول الشاطئ حيث يتوقع أن يتم الإنزال.

نتائج معركة جناق قلعة أو جاليبولي


في 25 من أبريل عام 1915م، بدأت قوات الحلفاء الهجوم وتمكنوا من السيطرة على موقعين.

لكن الافتقار للمعلومات الاستخبارية والجهل بتضاريس المنطقة قادهم إلى النزول في أراض تنحدر تدريجياً نحو ساحل البحر.

وقد انتهز العثمانيون هذه الفرصة فاصطادوا القوات البريطانية والفرنسية المهاجمة وفتحوا النيران فوق رؤوسهم، لتدور معارك شرسة رهيبة استبسل خلالها العثمانيون أمام العدوان الأوروبي.

حتى انتهت تلك الحملة أخيرًا بالفشل، وبدأت قوات الحلفاء في الانسحاب.

في 18 من ديسمبر عام 1915م، كانت معركة جناق قلعة أو حملة غاليبولي من أكثر المعارك دموية في التاريخ.

حتى إن بعض التقديرات تذهب إلى أن عدد القتلى من الحلفاء يقترب من 250 ألفًا، فيما يقدر قتلى الجيش العثماني بالرقم نفسه.

كثيرون منهم جاءوا من دول عربية وإسلامية، ولا تزال قبور الشهداء العرب موجودة وموزعة في الولايات التركية إلى يومنا هذا، شاهدة على البطولات التي قدمها هؤلاء الشهداء في سبيل إنقاذ إسطنبول.

وإلى جانب إنقاذ إسطنبول، فقد شهدت الحرب بزوغ نجم مصطفى كمال أتاتورك، الذي قاد معظم المعارك البرية ومنح لقب "باشا" بعد المعركة، وهو نفسه الذي ألغى الخلافة العثمانية بعد سنوات قليلة وأسس دولة تركيا الحديثة.
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url