السلطان مراد الثاني حياة وإنجازات قائد الدولة العثمانية

سادس سلاطين الدولة العثمانية، مراد الثاني، هو واحد من أعظم سلاطين الدولة العثمانية.

سلطان تولى الحكم وهو في 18 من عمره فقط، ليثبت للعالم كله أنه أهل لهذا المنصب الخطير، فقد نجح في صد الخطر الصليبي عن بلاده، وخاض معارك حاسمة مهدت لابنه محمد فتح القسطنطينية.

غير أن أهم ما تميز به عصره، أنه استقال من السلطنة، تاركاً أمر الدولة العثمانية لابنه ذي 14 من عمره.

السلطان مراد الثاني

الدولة العثمانية قبل عهد مراد الثاني


واحدة من أسوأ الفترات، تلك التي مرت بها الدولة العثمانية بعد الغزو المغولي، بقيادة تيمورلنك للدولة العثمانية عام 1402 للميلاد، ووقوع السلطان العثماني بايزيد الأول، المعروف بـ"الصاعقة"، أسيراً وموته في الأسر بعد معركة أنقرة، حيث دخلت الدولة العثمانية ما أطلق عليه المؤرخون مصطلح، "الفترة التي استمرت 10 سنوات".

حيث انهارت الدولة العثمانية، وبقيت بلا سلطان طوال تلك المدة، وسط تصارع ورثة بايزيد على العرش العثماني، قبل أن يتمكن محمد الأول، المعروف بـ"محمد جلبي"، وهو الابن الثالث للسلطان بايزيد، من السيطرة على مقاليد الحكم عام 1413 للميلاد، وواجه عدة أزمات خطيرة نتيجة لحالة الاضطراب التي كانت عليها الدولة.

ولكنه كان يتميز بخصال فريدة، مكنته من قيادة سفينة الدولة العثمانية عبر الأمواج العنيفة، ليصل بها إلى بر الأمان، وتحققت شبه المعجزة بعودة الدولة العثمانية قوية على الساحتين المحلية والأوروبية، بعد أن توقع لها الكثيرون الانقراض.

لكن السلطان محمد لم يستمر طويلاً في حكمه، فقد توفي بعد 8 سنوات فقط، أي في عام 1421 للميلاد، وهو في 39 من عمره.

ولم يُعلن خبر وفاته إلا بعد أيام أو أسابيع، لإعطاء ابنه الفرصة للقدوم إلى أدرنة، عاصمة الدولة العثمانية آنذاك، لاستلام الحكم قبل حدوث اضطرابات.

وقد ترك السلطان محمد وراءه أحد الرموز المهمة في تاريخ الدولة العثمانية، ألا وهو ابنه مراد الثاني، الذي كان والياً على مدينة أماسيا.

مراد الثاني يقضي على التمردات ضده


وصل ولي العهد مراد الثاني، ذو 18 سنة من عمره، ليتبوأ عرش الدولة العثمانية.

وقد افتتح مراد أعماله بإبرام الصلح مع أمير قرمان، والاتفاق مع ملك المجر على هدنة لمدة 5 سنوات، حتى يتفرغ لإرجاع ما شق عصا الطاعة من ولايات آسيا.

لكن حدث ما شغله عن هذا العمل، ذلك أن الإمبراطور البيزنطي إيمانويل طلب من مراد أن يتعهد له بعدم محاربته مطلقاً، وأن يسلمه اثنين من إخوته رهينة عنده لضمان تنفيذ الاتفاق بينهما، وهدده بإطلاق سراح عمه مصطفى بن بايزيد، المأسور في الدولة البيزنطية منذ عام 1416 للميلاد.

ولما لم يجبه مراد الثاني لطلبه، أخرج مصطفى من منفاه وأعطاه 10 مراكب حربية تحت إمرة ديميتريوس لاسكاريس ليعيد إشعال الحرب الأهلية العثمانية، كما أشعلها السلطان المغولي تيمورلنك من قبل.

فأتى مصطفى وحاصر مدينة جاليبولي، فسلمت إلى القلعة، فتركها مصطفى بعد أن أقام حولها من الجند ما يكفي لمنع وصول المدد إليها، وسار ببقية جيشه قاصداً أدرنة.

فخرج الوزير بايزيد باشا لمحاربته، فتقدم مصطفى وخطب في الجند بطاعته، بحجة أنه أحق بالملك من ابن أخيه، فأطاعته الجيوش وقتلت بايزيد باشا قائدهم.

فسار مصطفى بعد ذلك لمقابلة ابن أخيه مراد الثاني، لكن من حسن الحظ لم تكن لدى الطرفين رغبة في القتال، فلم يشهر أحد منهم السلاح.

وبعد حوار ونقاش، رجحت كفة الطرف الذي ساند السلطان مراد الثاني، ويقال إن بعد ذلك قوات مصطفى خانوه وتركه أغلب جنوده وانضموا إلى جنود الأناضول، وقُبض على العم المتمرد وأُعدم.

وهكذا استقرت الأمور للسلطان مراد الثاني.

بعد انتهاء تلك الفتنة، التي افتتح بها عهده، قرر السلطان مراد أن يتجه إلى القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، عام 1422 للميلاد، لتقليص خطرها عن الدولة العثمانية، وليتابع مسيرة جده، السلطان بايزيد الأول، الذي حاصر القسطنطينية من قبل وحاول فتحها ولم يستطع.

فقذف السلطان مراد القسطنطينية بالمدافع النارية، وكانت النتيجة أن أذعن الإمبراطور للسلطان وطلب الصلح، على أن يدفع جزية سنوية إلى الدولة العثمانية قيمتها 30,000 أقجة فضية.

ومن ثم، ساد الهدوء على الجبهة البيزنطية لمدة 15 عاماً.

لم تنتهِ التحديات التي واجهت السلطان مراد عند هذا الحد، فكارثة أنقرة، التي وقعت في عهد السلطان بايزيد وتفتتت على إثرها الدولة العثمانية، قد تركت تداعيات خطيرة على الدولة، ذلك أن الإمارات التركية في الأناضول كانت تابعة للدولة العثمانية، لكن خلال واقعة أنقرة انضمت أثناء القتال إلى تيمورلنك، ومن وقتها وهم مستقلون، وقد زادت طموحاتهم ورغبوا في التوسع على حساب العثمانيين.

فعمل السلطان مراد على مصاهرة أمراء تلك الإمارات، فزوج أخته لإبراهيم بك، أمير قرمان، بعد أن ساعده في الوصول إلى حكم قرمان، وزوج أختين كذلك لاثنين من إخوة إبراهيم بك.

ثم التفت السلطان بعد ذلك إلى إمارة چاندار، وقد رضخ أميرها بسرعة لضغط السلطان، وزوجه من ابنته لتأكيد الولاء.

وكان من نتيجة هذا النجاح أن رضخت إمارة منتشه وتكة وآيدن، ودخلت كلها في الدولة العثمانية عام 1425 للميلاد.

ثم في عام 1428 للميلاد، توفي أمير إمارة كرميان، فأوصى بالإمارة إلى السلطان مراد الثاني، فدخلت بذلك في حدود الدولة العثمانية.

وبذلك يكون مراد الثاني قد استرد تقريبًا جميع ما فصله تيمورلنك عن الدولة العثمانية عقب واقعة أنقرة، باستثناء المناطق الشرقية الجنوبية من الأناضول التي كانت تدين بالولاء لدولة المماليك في مصر، فقد آثر السلطان مراد الثاني أن يتعامل معها دبلوماسيًا ليضمن حسن العلاقة مع الدولة المصرية.

مراد الثاني في مواجهة الصليبيين


دعونا الآن ننتقل إلى البندقية لنتعرف على سر الصراع بين الدولة العثمانية والبندقية، فقد كانت مدينة سالونيك تابعة للمسلمين، حيث ضمت للعثمانيين عام 1387 للميلاد، واستولى عليها البيزنطيون عام 1403 للميلاد بعد واقعة أنقرة.

وفي هذه الـ 20 سنة حصلت سالونيك على حكم ذاتي في ظل الإمبراطورية البيزنطية، وفي عام 1423 للميلاد حاصر السلطان مراد مدينة سالونيك لاستردادها، فسلم أمير سالونيك مدينته للبنادقة، أعداء العثمانيين، ليضمن عدم ذهاب المدينة للدولة العثمانية.

فتجهزت الدولة العثمانية لحرب البنادقة، وبدأت المناوشات العسكرية بين الطرفين، حتى انتهى الصراع بنصر كبير للدولة العثمانية على البنادقة عام 1430 للميلاد، وتبع ذلك عقد معاهدة سلمية مع البندقية حافظت على الهدوء على جبهة البندقية لمدة 13 عامًا.

أثناء انشغال العثمانيين بقتال البنادقة، استقال ملك المجر سيجيسموند اللكسمبورجي، ذلك ليحاول توسيع النفوذ المجري في صربيا، رغم أنه كانت هناك معاهدة هدنة بينه وبين الدولة العثمانية. فحاصر قلعة جلوباك التابعة للدولة العثمانية عام 1428 للميلاد، وقذفها بالمدافع.

وقد صمدت الحامية العثمانية في جلوباك، وأرسل إليها السلطان مراد الثاني فرقةً تمكنت من رفع الحصار عن القلعة، ثم أتى بنفسه وحقق النصر الحاسم على الجيش المجري عند مدينة ڤيدين البلغارية.

وكان من نتيجة ذلك أن طلبت المجر الهدنة من جديد مع العثمانيين، فوقعت لمدة 3 سنوات، كما أعلن چورچ برانكوڤيتش، أمير صربيا، ولاءه للدولة العثمانية، وتنازل للعثمانيين عن مدينة كروشيڤاتس لتكون قاعدة عسكرية لهم، وزوج ابنته مارا من السلطان مراد الثاني.

وبذلك تكون الدولة العثمانية قد وضعت قدمًا راسخة في جنوب صربيا.

أيضًا في عام 1431 للميلاد، اكتسح الجيش العثماني ألبانيا وثبت أقدامه هناك، وبذلك عادت ألبانيا إلى التبعية العثمانية كما كانت في عهد بايزيد الأول.

استقرت الأمور في الدولة العثمانية، وانطوى تحت لوائها معظم الإمارات التركية، وتحقق لها النصر في أكثر من معركة على قوى عالمية مهمة مثل الدولة البيزنطية والبندقية والمجر، وأقرت صربيا بالتبعية للدولة العثمانية، التي عادت إليها هيبتها كما كانت في عهد السلطان بايزيد الأول.

ولم يكن اهتمام السلطان مراد منصبًا على الحروب فقط، فقد عمل على استكمال النهوض بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والعمرانية، وغير ذلك من المجالات.

لم تنتهِ الأخطار التي تحيط بالدولة العثمانية عند هذا الحد، فها هي ذي المجر تعد للتعدي على الدولة العثمانية، كما تحالفت الدول الأوروبية ضد الدولة العثمانية مستغلة الظروف التي تمر بها.

فكيف سيواجه السلطان مراد الثاني تلك التحديات يا ترى؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم